يخطئ من يجزم بأن موت أسامة بن لادن، الذي يعتبر القائد الروحي وأحد منظري تنظيم القاعدة، يعني بالضرورة نهاية التنظيم الذي أخذ بعدا متجددا، وكشف عن قدرته على التكيف مع كافة المستجدات والتحديات الميدانية، بما في ذلك مقتل أهم رموزها وقادتها. فبن لادن في عرف المبادئ التي يعتمدها تنظيم القاعدة عنصر في سلسلة وشبكة معقدة ومتشابكة، ولكنها أيضا متفرعة تتجدد مع سقوط إحدى حلقاتها. رغم فقدان تنظيم القاعدة لأبرز قادته الميدانيين من الجيل الأول ما بين 2001 و2010 من بينهم أبو زبيدة الفلسطيني، مسؤول التجنيد والعمليات الخارجية، وخالد الشيخ خالد وأبو فرج الليبي وأبو ليث الليبي وأبو حفص المصري ومحمد عاطف، فضلا عن رمزي بن شيبة، فإن التنظيم عرف كيف يجدد شبكاته ويوسعها خارج الدوائر التقليدية، خاصة بعد أن تبنى استراتيجية ''ضرب المفاصل''، حيث بدأ يشن حربا موازية على المصالح الغربيةوالأمريكية. وكشف الناطق السابق باسم تنظيم القاعدة، سليمان أبو غيث، في مطلع ,2003 عن تبنيه خطة لاستهداف كافة المصالح الأمريكية في المفاصل، كاستراتيجية متكاملة وشاملة، بيّنت السنوات التالية صحتها ابتداء من انتقال القاعدة إلى العراق بعد غزوه وتشكيل عدة تنظيمات شملت مناطق الشرق الأوسط وإفريقيا، لا سيما الشمالية والقرن الإفريقي، فضلا عن عدد من الدول الأوروبية، تطبيقا لمبدإ مركزية القرار ولا مركزية التنفيذ. كما عرف تنظيم القاعدة تجددا في أجيال القيادة مع بروز جيل جديد يعرف بالجيل الثالث. تبنى تنظيم القاعدة استراتيجياته، التي كانت تسطر من قبل نواة رئيسية يتزعمها فعليا الرقم الثاني أيمن الظواهري، بينما ظل بن لادن منذ سنوات الواجهة الروحية. وأسندت، وفقا لمقتضيات الأوضاع الميدانية والتضييق الكبير الذي مارسته الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في عدة مناطق منذ احتلال أفغانستان والعراق، لقيادات ميدانية جديدة مهام التنفيذ وحتى التخطيط أحيانا باستقلالية عن التنظيم الأم، مع الإبقاء على العلاقة العضوية والتأكيد على الولاء للتنظيم الأم. وهو ما تجلى عمليا، من خلال الكشف عن العديد من التنظيمات الفرعية، ابتداء من منتصف 2003 التي شهدت ميلاد ''جماعة التوحيد والجهاد'' في العراق وتأسيس تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين إلى غاية دولة العراق الإسلامية، مع بروز أبو مصعب الزرقاوي ثم مبايعة ما كان يعرف في الجزائر بالجماعة السلفية للدعوة والقتال، أسامة بن لادن وتأسيس القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وعكس هذا الإعلان سياسة الانتشار الجديدة لتنظيم القاعدة في مواجهة التواجد الأمريكي، حيث بدأ التنظيم يوسّع تواجده من خلال جملة من التحالفات مع تنظيمات محلية في المنطقة العربية. وثانيا تقديم الدعم المباشر لإنشاء فروع تابعة لها. وعرفت الفترة بين 2004 و2006 بالخصوص، أهم تجليات ظهور التنظيم في المناطق التي تتواجد بها المصالح الغربية وأولها الأمريكية، بدءا بالمملكة العربية السعودية التي تشكّلت بها في هذه المرحلة النواة الأولى من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. هذا الوضع يجعل من مقتل أسامة بن لادن غير ذي أثر كبير لأنه جندي سقط ''شهيدا'' في عرف أنصار تنظيم القاعدة، وأن التنظيم قادر على التجدد بسرعة، خاصة في ظل بروز عدة قيادات جديدة حول الرقم الثاني أيمن الظواهري، من بينهم سيف العدل رئيس جهاز الأمن لدى بن لادن والمتهم رفقة أبو محمد المصري في تفجير سفارتي الولاياتالمتحدة بكينيا وتنزانيا، وهما من أعضاء مجلس الشورى، ولكن أيضا أبو حفص الموريتاني المطلوب أمريكيا بنفس قيمة الظواهري، أي 25 مليون دولار، ما يكشف عن أهميته، إلى جانب آدم يحيى نداهي الموضوع ضمن الأشخاص الأكثر بحثا من قبل الشرطة الفدرالية الأمريكية، إضافة إلى أحمد الحساوي مسؤول المالية منذ 1998 والمعروف بشيخ سعيد، وأخيرا الشيخ أنور العولقي المولود في نيو ميكسيكو لأبوين يمنيين في 1970 والذي بات على رأس قائمة المطلوبين لليمن والولاياتالمتحدة، وينظر إليه مكتب التحقيقات الفدرالي بوصفه الملهم الروحي للقاعدة. هذه الشخصيات مؤهلة لأن تكون من بين المرشحين لخلافة أسامة بن لادن.