ألقى سيّدنا يحي بن زكريا عليهما السّلام، خطبة من رحاب المسجد الأقصى المبارك بحضور نبيّ الله عيسى عليه السّلام، بينما تلاها سيّد الخلق صلّى الله عليه وسلّم على أصحابه، وزاد عليها من توجيهاته ونصائحه فاكتملت كما يُكتمل العقد بالجواهر المرصّعة واللآلئ الثمينة، فأصبحت خطبة عظيمة الشأن، كثيرة النفع اجتمع في التعاون عليها ثلاثة من الأنبياء عليهم السّلام، وهم: زكريا عليه السّلام الّذي أمره الله بها، وعيسى عليه السلام الّذي ذكّر بها أخاه زكريا لمّا كاد أن يبطئ بها، وسيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم الّذي رواها لنا وزاد عليها. روى الترمذي، وقال حديث حسن صحيح، والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم، عن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''إنّ الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنّه كاد أن يبطيء بها. قال عيسى: إنّ الله أمرك بخمس كلمات لتعمَل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإمّا أن تأمرهم وإمّا أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يُخْسَف بي أو أُعَذَّب، فجمع الناس في بيت المقدس فامتلأ وقعدوا على الشُرُف فقال: ''إنّ الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ وآمركم أن تعملوا بهنّ:1- أولاهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وإن مَثَل مَن أشرك بالله كمَثل رجل اشترى عبدًا من خالص ماله بذهب أو وَرِقٍ فقال هذه داري وهذا عملي فاعمل وَأَدِّ إِلَيَّ، فكان يعمَل ويؤدي إلى غير سيّده، فأيُّكم يرضى أن يكون عبدَه كذلك. 2- وإنّ الله أمركم بالصّلاة، فإذا صليّتم فلا تلتفتوا، فإن الله يَنْصِبُ وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. 3- وأمَرَكم بالصيام فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة فيها مِسْك، فكلّهم يعجب أو يعجبه ريحها، وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. 4- وأمَرَكُم بالصدقة، فإن مثل ذلك كمثل رجل أَسرَه العدو فأوثقوا يده إلى عنقه وقدّموه ليضربوا عنقه، فقال أنا أَفْدي نفسي منكم بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم. 5- وأمَرَكُم أن تذكروا الله، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في إثره سراعا، حتّى إذا أتى على حِصْن حَصين فأَحْرَزَ نفسه منهم، كذلك العَبْد لا يحرز نفسه من الشيطان إلاّ بذكر الله. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهنّ: 1- السمع. 2-والطاعة. 3- والجهاد. 4- والهجرة. 5- والجماعة، فإنّه مَن فارق الجماعة قيد شِبْر فقد خَلَعَ ربقة الإسلام من عُنُقه، إلاّ أن يراجع، ومَن ادّعى دعوى الجاهلية فإنّه من جثاء جهنّم. فقال رجل يا رسول الله: وإن صلّى وصام، فقال: وإن صلّى وصام، فادعوا الله الّذي سمّاكم المسلمين المؤمنين عباد الله''. الشيخ يحيى صاري إمام مسجد التوبة - بوزريعة