يقوم أحمد أويحيى، كوزير أول، هذا الاثنين، بإلغاء المادة 144 مكرر واسقاطاتها في المادة 146 من قانون العقوبات، لرفع تجريم العمل الصحفي، بعدما فرضها فرضا كوزير للعدل في 2001، حيث اجتهد في تمرير التعديل وبإلحاح وقناعات مشبوهة ومتناقضة استغرب لها الجميع آنذاك، بما فيها طمأنة الصحافيين بعدم تطبيقه، حتى أنه تعهد بأنه سيخرج متضامنا مع الصحفيين في مسيرات احتجاجية إن اقتضى الأمر في حالة تطبيقه على أحدهم، وكأنه كان يريد أن يبرهن للرئيس بأنه قادر وأنه يمكن أن يكون أهل ثقة. * أسئلة كثيرة ومحيرة طرحها كل من رافق وقائع اقتراح تعديل قانون العقويات بإضافة مادة تجرم العمل الصحفي وتدينه بالسجن، وربط الأمر حينئذ بالقذف الخاص برئيس الجمهورية، رغم أن قانون الإعلام لسنة 1990 خصص ثلثي مواده للإجراءات العقابية ضد تجاوزات الصحفي، حتى أنه سمي مجازا قانون عقوبات مكرر، حيث كان من الممكن تفعيل هذا القانون ويكفي أويحيى شر القتال، غير أن قانون الإعلام الذي اعتمد في حكومة مولود حمروش الإصلاحية، واعتبر طفرة وثورة في الممارسة الديمقراطية وحرية التعبير، وأزعج الجيران المغاربيين والمنطقة العربية ككل، تم تجميده وطيه في صمت وبدون قانون أو قرار يبرر سحبه، وجمدت معه كل آليات حماية الصحفي من أية تجاوزات، تهدد المهنة، ومن خلالها حرية التعبير، وخاصة المجلس الأعلى للأعلام، ومجلس أخلاقيات المهنة. * أحمد أويحيى، وزير العدل، في حكومة علي بن فليس، اجتهد، وخاض "سعي الصفا والمروة"، وهو يطرق أبواب الكتل البرلمانية، بابا بابا، لإقناع النواب باعتماد تعديل قانون العقوبات، خاصة وأن العهدة البرلمانية 1997 2002 عرفت حراكا برلمانيا وسياسيا استثنائيا بحكم تنوع تشكيلته، حتى كاد أن ينصب خيمة في بهو المجلس الشعبي الوطني، على حد تعبير بعضهم آنذاك، رغم علامات الاستفهام والاندهاش وحالة الرفض التي كانت ترتسم على وجوه كل من يقابلهم، إلى جانب قلق وتذمر الإعلاميين من المخاطر التي تهدد المهنة وتقوض المكاسب المحققة في ظل التعددية، حيث أثار هذا الإصرار على تبرير ما لا يبرر وإدخال تعديل خطير، هواجس كبيرة لدى عامة النواب، والمهنيين بصفة خاصة. * والغريب في كل ما حدث، هو تأكيد أويحيى، وزير العدل، أن التعديل لن يطبق في الميدان، لطمأنة الصحافيين الحاضرين بقوة في كواليس المجلس آنذاك لمتابعة تطورات مشروع التعديل، حتى أنه ذهب إلى حد التعهد بالخروج مع الصحفيين في مسيرات احتجاجية في حالة سجن أحدهم تطبيقا للتعديل، حيث وقف الإعلاميون مشدوهين، يتساءلون هل كلام وزير العدل جد أم مزح، أم أن الوزير وقع بين خيارين أحلاهما مر، فحاول إرضاء أطراف في السلطة وعدم إغضاب الصحافيين، ما جعل أويحيى يظهر كالمهرج السياسي، غير أن الكثير من الغموض واللبس انزاح عن هذا الموقف حين اعترف أويحيى شخصيا في وقت لاحق وبعد سنوات بأنه "صاحب المهام القذرة". * وشكل التعديل نقطة فارقة في مسار حرية التعبير، والممارسة الديمقراطية، حيث دفع التعديل إلى الشعور بقلق تجاه نوايا السلطات العمومية، أو جهات في السلطة، التي اختفت وراء حجة حماية رئيس الجمهورية من تهجمات وقذف الإعلاميين، وخاصة بعد تعميم إسقاط المادة على كل مؤسسات الدولة، بما فيها المنتخبة، وأخرى غير محددة بالاسم قانونا، وتصاعد مؤشر المتابعات القضائية، وأحيانا في قضايا قديمة تعود لسنوات، كثيرا ما تحول فيها الإعلامي من شاهد إلى متهم، حيث تراجع أداء المهنة الملتزمة، وتقلصت دائرة ضوئها، في حين لوسعت دوائر الظل، وأصبح من المخاطرة دخولها. * فقد كانت المادة 144 مكرر عاملا أساسيا في كل التحرشات والضغوطات التي واجهها الصحفيون، ما أعاد شيئا فشيئا هاجس المراقبة الداخلية، أو الذاتية، لتجثم على ممارسة المهنة، بعدما حذفت من نفسية الإعلامي وقاموسه، منذ دخول قانون 90 حيز التنفيذ، والذي رافقه تجاوب ايجابي من قبل السلطات العمومية وقتئذ، وان سجل الإعلاميون تراجعا في حدة المتابعات القضائية بعد نشر رسالة لرئيس الجمهورية بمناسبة حرية التعبير منذ ثلاث سنوات، حيث عادوا ليتنفسوا ويتذوقوا مهنتهم وحريتهم، وهو ما شهدت به منظمات حقوقية دولية في تقاريرها اللاحقة. * مؤخرا، وبعد خطاب رئيس الجمهورية للأمة يوم 15 أفريل الماضي، عادت عقارب الساعة إلى نقطة الصفر، في مفارقة غريبة، بطلها أحمد أويحيى نفسه، حيث شرعت حكومته في إعداد مشروع نص تعديل مماثل يتعلق بنفس القانون ونفس المادة، وبنفس الحماس والسباق مع الزمن، ولكن لرفع التجريم عن الجنح الصحفية، ومن المنتظر أن تعرضه، هذا الاثنين، أمام مجلس الوزراء، بمناسبة إحياء اليوم العالمي لحرية التعبير المصادف للثالث ماي. * وتنص المادة 144 مكرر، ذائعة الصيت، من قانون العقوبات المؤرخ في 26 جوان 2001، على أنه " يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى 12 شهرا، وبغرامة من 50 ألف إلى 250 ألف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من أساء إلى رئيس الجمهورية بعبارات تتضمن اهانة أو سبا أو قذفا، سواء كان عن طريق الكتابة أو الرسم، أو التصريح، أو بأية آلية لبث الصوت أو الصورة، أو بأية وسيلة الكترونية أو معلوماتية أو إعلامية أخرى. * تباشر النيابة العامة إجراءات المتابعة الجزائية تلقائيا. * في حالة العود تضاعف عقوبات الحبس والغرامة المنصوص عليها في هذه المادة". * وتنص المادة 144 مكرر1 "عندما ترتكب الجريمة المنصوص عليها في المادة 144 مكرر بواسطة نشرية يومية أو أسبوعية أو شهرية، أو غيرها، فان المتابعة الجزائية تتخذ ضد مرتكب الإساءة وضد المسؤولين عن النشرية، وعن تحريرها، وكذلك ضد النشرية نفسها. * وفي هذه الحالة يعاقب مرتكبو الجريمة بالحبس من 3 إلى 12 شهرا، وبغرامة من 50 ألف إلى 250 ألف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط". * أما المادة 146 فتنص على أنه " تطبق على الاهانة أو السب أو القذف، الموجه بواسطة الوسائل التي حددتها المادتان 144 مكرر و144 مكرر 1 ، ضد البرلمان، أو إحدى غرفتيه، أو ضد المجالس القضائية، أو المحاكم، أو ضد الجيش الوطني الشعبي، أو أية هيئة نظامية أو عمومية أخرى، العقوبات المنصوص عليها في المادتين المذكورتين أعلاه. * وفي حالة العود تضاعف عقوبات الحبس والغرامة".