ارتبط تاريخ الإصلاح في الجزائر برحلات قام بها علماء ومصلحون وأئمة إلى المشرق، تلقوا خلالها العلوم الشّرعية في جوامع الزيتونة والأزهر وفي الحرمين الشّريفين. ويذكر الجزائريون رحلة الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى الحجاز، ومكوثه بالمدينة المنورة، وتأثيرها على مساره الإصلاحي. ورحلة الرئيس الراحل هواري بومدين إلى الأزهر، وتأثيرها في تاريخه وتاريخ الجزائر. يعمل باحثون في التاريخ من جامعات في الوسط والغرب، على جمع تُراث العلماء الرحالة المكتوب خلال رحلات طلب العلم من الجزائر إلى الزيتونة والأزهر والحجاز. وتُعَدّ رحلة طلب العِلم إلى الشرق تقليدا لدى الجزائريين، توارثوه على مدى أكثر من ألف سنة. الرحلة تبدأ من إحدى مدن الجزائر وتمُر عبر جامع الزيتونة فالأزهر وصولاً إلى الحجاز، ويغيب طالب العلم عن وطنه خلال هذه الرحلة الطويلة لفترات قد تصل إلى 20 سنة. يذكر الجزائريون رحلات طلب العلم الأولى الّتي نفّذها أئمة ومشايخ، من خلال كُتُب الرحالة والرسائل الّتي دوّنتها مخطوطات مازال بعضها محفوظا، وبعضها الآخر أتلف وأتى عليه الزّمن. ويقدِّر الباحثون في هذا المجال بأنّ الأرشيف الفرنسي الخاص بالجزائروتونس يحتوي على مئات الرسائل والشّهادات الّتي تصِف الحياة الاجتماعية والتجارية في مدن الجزائروتونس. وكان الرئيس الراحل هواري بومدين نفسه قد نفَّذ إحدى هذه الرحلات لطلب العلم، وتنقّل إلى جامع الأزهر لتلقي العِلم ومرَّ بتونس وليبيا. ويقول الدكتور عبد الباقي موردي، الباحث في التاريخ وأحد أصحاب مبادرة تدوين أثر طالب العِلم الرحالة ''تكون بداية رحلة طالب العلم إلى الزيتونة والأزهر ثمّ الحجاز احتفالا يُشبِه العرس، يودِّع فيه سكان البلدة أو القرية الطالب الّذي يغيب كلّ أثر له. وفي العادة، فإنّ سن الطالب لا يزيد عن 25 سنة، فيتنقل الطلبة في بعثات تضم 8 أو 10 طلبة على الأقل، وقد دوّنَت سيرا ذاتية وكتب رحالة ما وقع للطلبة من مغامرات خلال المسير برّاً على الأقدام ثمّ تحوّلَت هذه الرحلات إلى مادة قصصية''. ويضيف الدكتور عبد الباقي ''إنّ أحد أفضل مَن كتب في أدب الرحلات هذه هو العلامة الشيخ فوضيل عبد الواحد التيارتي المتوفى عام 1202 ه''، حيث يسرد في إحدى رسائله تفاصيل الرحلة وحالة المدن والحياة الاجتماعية في أكثر من 38 قرية ومدينة في الجزائر، تونس، ليبيا ومصر، كما يتحدث عن أجواء تلقّي العلم في جامع الأزهر وجامع الزيتونة. ويعتزم أصحاب مبادرة تدوين أثر الرحالة مع طلبة علوم شرعية وأئمة من ولايات الجنوب إحياء تقليد قديم مارسه العلماء والفقهاء وطلبة العلم في الجنوب على مدى قرون طويلة، حيث كانوا يشدّون الرِّحال إلى جامع الزيتونة لتلقّي العلم ويبقى بعض الطلبة سنوات هناك إلى غاية تحصيل الفقه والشّريعة على المذاهب الأربعة، ويفضّل بعض الطلبة التّوجّه بعدها إلى الحجاز لأداء مناسك الحج. وكانت الزيتونة أهم مكان يحصل فيه طالب العلم على ما يرغب فيه من أصول الشّريعة والفقه واللّغة العربية،. وتوجد إلى اليوم، حسب الباحث عبد الحق، أسر جزائرية الأصل في تونس ومصر تنحدر من طلبة علم استقروا وأسّسوا أسَرا جديدة بعيداً عن الوطن.