محمود جبريل، رئيس المجلس التنفيذي (الحكومة المؤقتة) التابع للمجلس الانتقالي الليبي، وعبد الحكيم بلحاج القائد العسكري للمعارضة التي أطاحت بالعاصمة طرابلس، هما الشخصيتان الأكثر بروزا في الإعلام الدولي في الساعات الأخيرة. فهل يراد لهذين الشخصين أن يكون لهما دور محوري في ليبيا المستقبل؟ المفارقة التي لاحظها المراقبون هي أن محمود جبريل، الرجل العلماني الليبرالي، وسليل قبيلة الورفلة القوية، يمثل الواجهة السياسية ويعتبر الرجل المفضل لدى الغرب ليكون الوزير الأول أو رئيس الحكومة في النظام الليبي في مرحلة ما بعد القذافي، في حين تم منح القائد العسكري الشاب عبد الحكيم بلحاج الخويلدي، أمير الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة سابقا، وهي تنظيم جهادي، شرف فتح طرابلس بعدما كان منتظرا أن يدخلها اللواء المغتال عبد الفتاح يونس. وهنا يقول مراقبون إن هذه الصدفة أو المفارقة تعكس بحق المأزق الكبير الذي يجب تجنبه في ليبيا ما بعد القذافي، حيث يجب على المجلس الانتقالي التوفيق بين دعاة العلمانية وبين دعاة تحكيم الشريعة الإسلامية، بشقيها المعتدل والجهادي. وبخصوص الإسلامي المعتدل مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي، فهناك من يرى بأن دوره يتضاءل شيئا فشيئا من خلال عدة مؤشرات، أبرزها تقديمه لاستقالته في وقت سابق بسبب خلافات داخل المجلس حول كيفية تسيير شؤونه. لكنه تراجع عن الاستقالة ليعود ويلوح بها قبل أيام في مقام التحذير من أعمال انتقامية عند سقوط طرابلس، ويظهر عبد الجليل في كثير من الأحيان غير مطلع على تطورات الأوضاع في الميدان رغم أنه الرجل رقم واحد في المعارضة الليبية. فقد أعلن خبرا خاطئا عن اعتقال سيف الإسلام القذافي، بينما بدا غير مطلع أصلا بزيارة وفد تونسي رفيع المستوى إلى بنغازي أمس عندما سأله صحفي قناة فرانس .24 أما محمود جبريل الخبير الدولي المرموق في التخطيط الاقتصادي والمولود في ليبيا عام 1952، وهو حاصل على شهادات جامعية عليا منها دكتوراه في التخطيط الاستراتيجي، فينظر إليه برأي مراقبين، على أنه رجل ليبيا المقبل، فقد أبرزته أول أمس قناة الجزيرة بشكل لافت، وأظهرته في عدة لقطات وهو يصافح هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية. وخلال الندوة الصحفية التي عقدها، بدا محمود جبريل شخصية تحسن التعاطي مع الشؤون الدبلوماسية بحنكة. لكن اللغز المحير لدى المتتبعين هو في بروز شخصية مثل عبد الحكيم بلحاج، المعروف في الأوساط الجهادية باسم أبو عبد الله الصادق، الذي أفرج عنه سيف الإسلام القذافي شهر مارس الماضي في إطار العفو عن مساجين إسلاميين، لكنه ها هو يعود اليوم فاتحا للعاصمة طرابلس بعد ستة أشهر من الصمود. وهنا يطرح السؤال: ما هي الرسالة من وراء تمكين أمير الجماعة الليبية المقاتلة سابقا من ''تحرير'' طرابلس من نظام القذافي؟ والإجابة لن تكون بعيدة عن كون التيار السلفي الجهادي يعد أقوى فصيل في جسم المعارضة المسلحة.