وضع الرئيس بوتفليقة الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية، التي دافعت عن مبدأ أسبقية تعديل الدستور على قوانين الإصلاح وانتزاع تأشيرة تمرير نصوص الإصلاح من البرلمان الحالي، في موضع حرج، تطرح من خلاله تساؤلات حول طبيعة تعاملها مع المشاريع عندما يفتتح النقاش حولها. دخلت مشاريع قوانين الإصلاح الغرفة السفلى، في دورتها الخريفية التي افتتحت أول أمس، في وقت تنامت المطالب بانتزاع تأشيرة النقاش حول المشاريع الإصلاحية منه باعتباره ''فاقد شرعية''، المطالب التي وفرت هيئة المشاورات التي أدارها عبد القادر بن صالح منبرا لترديدها، بعد أن كانت محصورة في بعض التشكيلات السياسية، على غرار انتخاب مجلس تأسيسي أو انتخابات مسبقة لمجلس حقيقي يكرس فعلا الإرادة الشعبية ويتولى مهمة التعديل المعمق للدستور. بينما دخلت أحزاب مشاورات داخلية لإيجاد مخرج أمن في التعامل مع مشاريع الإصلاح خلال الجلسات. بن صالح الذي تولى مهمة دعوة الأحزاب والشخصيات الوطنية وأعضاء المجتمع المدني، في إطار مشاورات الصيف، عاد لدى افتتاحه الدورة الخريفية للبرلمان، ليدافع عن هيئته ''بأثر رجعي''، رغم أنها حشدت ملفات مطالب تراوحت حدة دعاوى التغيير فيها بين ''السطحية والجذرية''، بينما استمع بن صالح لمطلب ''حل برلمان'' هو رئيس لغرفته العليا (مجلس الأمة)، وكان طبيعيا أن يعود إلى موقعه في زيغود يوسف ليؤكد، بعد ثلاثة أشهر من المشاورات، مصداقية البرلمان في رفع مشعل إصلاحات تشريعية، رغم الحناجر التي بحت وهي تطالب بحل البرلمان، ورغم تشكيك العديدين في قدرة الهيئة التشريعية بتركيبتها وطبيعتها الحالية على أن تواكب حجم تحديات كبرى داخليا ورهانات جسيمة خارجيا تتصل براهن الوضع المضطرب عربيا. الموقف نفسه ركن إليه رئيس المجلس الشعبي الوطني، عبد العزيز زياري، الذي دعا نوابه إلى حشد مجهودهم لإنجاح إصلاحات مصيرية، كمن يهيئ جنوده لصد عدوان، كان بالنسبة للبرلمان مجرد مطالب إصلاح في شكل إجراءات استباقية كانت ملحة لدى أصحابها، من أجل تفادي الحاصل في ليبيا وسوريا وما حدث في تونس ومصر. وتستند السلطة في تبريرها تمرير مشاريع القوانين الإصلاحية، المتعلقة بالانتخابات والإعلام والجمعيات والأحزاب، على برلمان زياري وبن صالح، على استباقها رصد آراء الفاعلين في الساحة الوطنية حول الإصلاحات، غير أن ما يطرح في هذا الصدد، السؤال حول ما إذا كان المتشاورون في نفس منزلة النواب من حيث ''الإلزام''، إذ أن النواب لهم من الصلاحية ما يمكن من إبطال مفعول مشروع قانون بالممانعة (في برلمان حقيقي)، بينما لا يتعدى دور المتشاورين مجرد إبداء الرأي، والمحصلة أن البرلمان على شاكلته الحالية سيمرر مشاريع قوانين الإصلاح بصفة جد طبيعية، لا ترقى إلى إدراك عام بأن المشاريع التي بين أيديهم تعتبر شبه مفصلية في مرحلة سياسية حساسة تمر بها البلاد، على وقع تكالب دولي، بل أن دور النواب لن يكون أكثر من الاستشارة ولا أقل من رفع الأيدي. ويكون عبد العزيز زياري على قناعة بواقع برلمانه ونوابه، لما دعاهم إلى ''اليقظة'' و''التحلي بالجدية'' في مناقشة مشاريع الإصلاح، رغم أن الحذر مطلوب حتى في مناقشة أبسط القوانين، بينما تعوّد الجزائريون على متابعة جلسات المجلس الشعبي الوطني بكراس شاغرة، ولم يجرؤ أحد على تضمين بند في القانون الداخلي يجبر النواب على الحضور.