لم يعد الحديث عن حقوق الإنسان في الجزائر من الطابوهات، وذلك بفضل تضحيات نشِطين، ونضالهم المتواصل، في حقل الدفاع عن الحريات العامة والفردية. الإشكال، اليوم، يقاس ببطء الالتزام السياسي بمبادئ دستورية وإنسانية وبتباعد بين وضعية حقوق الإنسان بشكل عام، مع ما تتوفر عليه قوانين الدولة الجزائرية من أدبيات ونصوص، تتناول تلك الحقوق. التقارير الأجنبية التي تقيم مستوى حقوق الإنسان في الجزائر، عادة ما تكون سلبية. وتكتفي السلطات، في كل مرة، برد محتشم، وإذا صعّدت من اللهجة، فمن أجل توجيه اتهامات مبهمة ل''أطراف لا تحب الخير للجزائر''، وهي أطراف تبقى غامضة، مثلها مثل الاتهامات. ومن الطبيعي التساؤل، عما إذا تتوفر شروط ممارسة نشاط ترقوي، في مجال حقوق الإنسان، حيث تعاني التجربة الديمقراطية من عجز في ممارسة الديمقراطية؟ ويمكن التساؤل أيضا، هل ما تعيشه الجزائر هو تجربة ديمقراطية فعلا؟ هناك تجارب قليلة جدا في العالم تحدثنا عن تعايش بين التخلف السياسي والمعيشي، وبين نمو ممارسة الديمقراطية. فالنموذج الهندي الذي قطع أشواطا على هذا الطريق، ارتبط برؤية رجل بحجم مثالية غاندي وبواقعية سياسية في حجم نهرو. كما أن النمو الاقتصادي، مهما كانت قوته، لا يضمن ولا يعني بالضرورة تحقيق نمو مماثل للديمقراطية واحترام الحريات الفردية والجماعية، ولنا في تجربة الصين النموذج المعبر عن ذلك. والتقاطع الممكن، من خلال رصد التجارب الناجحة، هو ذلك الذي يبنى على أساس قيمة الفرد بغض النظر عن دينه أو عرقه أو لونه أو لغته. وتفيدنا تجارب الدول بمحدودية التكفل بحقوق الإنسان من زاوية ''الأمن''. وسبب القصور ينطلق من الأساس، حيث ينظر الحكم إلى كل ناشط في ميدان سياسي أو اجتماعي أو مهني، على أنه عنصر مهدد للسلم والأمن وأنه مصدر خطر على استقرار مؤسسات الدولة. وباستخدام التلفزيون، كوسيلة دعاية وتخدير، استطاعت الحكومات المتعاقبة، التأثير على عفوية المواطن البسيط، وتوجيهه بمبرر هذا الخطر، والمحصلة أن جهودا وطاقات يتم هدرها في رصد خطر مصطنع. لا يكفي أن نقرأ في مواد الدستور ما يشير إلى مبادئ إنسانية، حتى نقول إننا نمارس الديمقراطية وننعم بها. والدستور كمجموعة مبادئ مكتوبة، لا تضمن شيئا، وإلا لما وصلت بريطانيا إلى مستوى من التوازن السياسي والاجتماعي، بين مؤسسات ملكية وأخرى مستمدة من إرادة الشعب. فالمملكة ليس لها دستور مكتوب، لكنها اكتسبت عن طريق العرف، ما يضمن لها الحفاظ على هذا المكسب. ويمكن القول إن التقاطع بين الحكم وبين المجتمع السياسي والاجتماعي، لم يتحقق بعد حتى بعد ''كتابة'' دستور يعترف بالتعددية، ويعد بمجموعة التزامات أخرى تحترم حقوق الفرد والمجموعة الوطنية. لم يحدث التقاطع، لأن النظرة لم تتغير في جوهرها. ومن غرائب ما قيل لتبرير ''ضعف التكفل'' بحقوق الإنسان الفردية والجماعية، أن هذا الإنسان، غير ناضج بعد لممارسة حقوقه. ونحن على ''أمتار'' من ذكرى أول نوفمبر، لنا أن نشعر بمعاني التناقض والتزييف والتدليس في حق ذاكرة ذاك ''الإنسان'' الذي تجاوب طواعية لخدمة ''الوعي الوطني''. فكل هؤلاء لم يكونوا مغفلين ولا قاصرين.. وتراكم التجارب منذ ذلك الوقت، يخلف جروحا وانقسامات اجتماعية. [email protected]