تطرح التصريحات والمناقشات الجارية هذه الأيام حول مشاريع قوانين الإصلاحات تساؤلات كثيرة، خاصة منها ما يتعلق بحالات التنافي مع العهدة البرلمانية، والمادة 93 من قانون الانتخابات التي تلزم الوزراء بالاستقالة في حال الترشح للتشريعيات. وإذا كان تضارب الآراء حول بنود ومواد مشاريع القوانين أمرا طبيعيا وصحيا، فإن الأمر يصبح مثيرا للقلق عندما نسمع أن رئيس المجلس الشعبي الوطني، وبعد مكالمة هاتفية من جهة مجهولة، ألغى المادة التي تلزم الوزراء بالاستقالة، وأن رئيس أحد أحزاب التحالف طلب من رئيس الجمهورية فتح تحقيق حول الجهة صاحبة الاتصال الهاتفي. ورغم أن القوانين مازالت مجرد مشاريع، ولا يمكن أن نأخذ هذه التصريحات مأخذ الجد، إلا أنها توحي بوجود نية في جعل الإصلاحات مجرد مسكّن ظرفي، مع الاستمرار في تكريس ثقافة الريع و''الشكارة''. وإذا كان المواطن ينتظر من الإصلاحات تكريس دولة القانون وتحقيق العدالة الإجتماعية والديمقراطية، فإنه على قناعة بأن ذلك لن يتأت بنفس الوجوه التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه. وبالتالي لا يجب أن تكون قوانين الإصلاح مجرد إجراءات تقنية، بل لابد أن تتضمن، أيضا، الشروط والآليات التي تسمح ببروز جيل جديد من المسؤولين والسياسيين المؤهلين للانتقال بالمجتمع نحو الأفضل، وسحب البساط من تحت أقدام أولئك الذين كرسوا ثقافة المحسوبية والعشائرية ودولة اللاعقاب، وسخروا الأموال العمومية لخدمة مصالحهم الشخصية والحزبية. إن المواطن ينتظر من الإصلاحات إحداث قطيعة نهائية مع ممارسات العشائرية، والموالاة في تحمل المسؤوليات، ويأمل أن يرى أحزابا تتنافس في انتقاء مرشحيها للانتخابات على أساس النزاهة والكفاءة دون أي معيار آخر. يريد المواطن أن يرى قوانين الإصلاح تضع حدا لاستغلال المال العام، وإمكانيات الدولة في الحملات الانتخابية، لضمان البقاء في السلطة. يريد توديع عهد المنتخبين الذين يعتبرون العهدة استثمارا، ينفقون من أجل الفوز بها عشرات الملايير لكسب المئات بعد ذلك. وقد رأينا، في هذا الشأن، بعض المنتخبين يدفعون أموالا طائلة لشراء أصوات زملائهم في المجالس الولائية، للفوز بمقعد في مجلس الأمة، وما كانوا لينفقوا تلك الأموال لولا اقتناعهم بأن المقعد سيعيدها لهم مضاعفة. بئس مثل هذه المجالس وبئس مثل هؤلاء المنتخبين! والمؤكد أن الأمور معقدة، وليست بالبساطة التي نطرحها بها في هذه العجالة، وتغيير الممارسات المذكورة لن يتأت فقط ببنود ومواد في قوانين الإصلاح، ولن يكون غدا، بل يرتبط، وبشكل كبير أيضا، بتطور سلوكات وممارسات المجتمع ككل. لكن المؤكد أيضا أن السلطة لها في إرادة الشعب، قوة فرض ظروف وآليات ''الانطلاق في التغيير''.