الاستقامة معناها أن يُراقب المؤمن تصرّفاته بنفسه، فلا يتعرَّض بالأذية لأحد، لأنّ الأذية تخالف الاستقامة ولأنّ الّذين يؤذون غيرهم توعّدهم الله بالعذاب الأليم وذلك في قوله: ''والّذين يُؤذون المؤمنين والمؤمنات فقد احتملوا بُهتاناً وإثماً مُبيناً''. فأيَّة آفة اجتماعية أكثر فساداً وتخريباً في المجتمع من الّذي يُسيء إلى النّاس بلسانه فيتعرَّض إليهم بالسبِّ والشتم والرمي بالزور والبهتان وقطع حقوق المستضعفين من النّاس بشهادة الزور الّتي هي من أكبر الكبائر عند الله، فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: ''ومن أكبر الكبائر الشِّرك بالله وعقوق الوالدين،.. إلى أن قال: وشهادة الزور وشهادة الزور''، وكرّرها مراراً مع تغيّر وجهه الشّريف وجلوسه بعد أن كان متكئاً، أو التعرُّض إلى أعراضهم بالغيبة والنّميمة والسّعي بين الإخوان بُغية العداوة والبغضاء والشقاق بينهم، فقال تعالى: ''ولاَ تُطِعْ كلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَميمٍ مَنَّاع للخيرِ مُعتَدٍ أثيمٍ''. وقال جلّ شأنه: ''وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ'' فأيّ شرّ مستطير يوهن قوى الأمّة ويَفتُ في عضُدها من هذا الخُلق الذميم الّذي يحط من شأنها في أعين أعدائها فتنحل وحدتها وتتلاشى قوتها فتركن إلى الكسل والضعف، ثمّ المذلة والاستسلام إلى العبودية والهوان، فتكون هدفاً لأطماع الأعداء. والإسلام يحذّر المؤمنين من التخاذل والفشل، فقال تعالى: ''واعْتَصِموا بحَبْل الله ولا تفرَّقوا''. وقال: ''ولا تنازَعوا فتَفْشَلوا وتذْهَب ريحَكُم''. بل يأمرنا الإسلام أن نعد القوّة اللازمة لإرهاب الأعداء أعداء المؤمنين وأعداء الله، فقال تعالى: ''وأعِدُّوا لهُم ما استَطَعْتُم من قوّة ومِن رِباط الخَيْل تُرهبون به عدو الله وعَدُوكم''. والآفات المهلكة الّتي يعاني منها المجتمع الإسلامي اليوم جاءته من بُعد المسلمين عن تعاليم دينهم الحنيف، الّذي أحلّ لهم الطيّبات وحرّم عليهم الخبائث، فانقلبت أذواقهم وانغلقت مفاهيمهم وأصبحوا لا يميّزون بين ما هو طيّب وما هو خبيث، بل استمرّت أذواقهم الخبيثة وانغلقت مفاهيمهم عن إدراك الصواب، فأكلوا المحرَّمات وأعطوها من الأسماء ما يُغري ضعفاء العقول ونعتوها بأنّها من أفعال المتقدّمين المتنوّرين الّذين لا يعرفون التعصّب في الدِّين، وما دَرُوا أنّ مَن حارب العصبية الجاهلية ومقت المحسوبية الدينية هو الدِّين الإسلامي الّذي جعل ميزان التفاضل بين النّاس هو التّقوى والاستقامة، فقال سبحانه وتعالى: ''وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارَفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم''، كما لم يعلموا أنّ شرّ التعصّب يقضي على عوامل التقدم والفوز السليم. أيّها المسلمون، إنّ ديننا الحنيف دين العدل والأخوة والوئام ونبذ الشقاق والقضاء على عوامل الفساد، ولا يمكن بأيّ حال أن يصل المسلمون إلى العزّة والتّمكين الّتي وعدهم الله بها إلاّ إذا تمكّنوا من التغلّب على عواطفهم وسيطروا على شهواتهم ونزعاتهم، وقاموا كرجل واحد وغيّروا ما بأنفسهم وبدلوا سَيْرهم وقضوا على كلّ العوامل الدخيلة على مجتمعاتهم، وتلك هي سُنّة الله ولن تجِد لِسُنّة الله تبديلاً ''إنّ اللهَ لا يُغيِّر ما بِقومٍ حتّى يُغيِّروا ما بأنفُسِهم''. لقد حذّرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من شرور كثيرة، ونبّهنا إلى ما فيها من المفاسد والقبائح الّتي تعوِّق وحدة المؤمنين وتهدِّم كيان الموحّدين، فقال صلّى الله عليه وسلّم: ''اجتنبوا السَّبع الموبِقات، قالوا: وما هنّ؟ قال: ''الشِّرك بالله والسِّحر وقتل النّفس الّتي حرَّم الله إلاّ بالحق وأكل الرِّبا وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف وقذف المُحصنات المؤمنات الغافلات''. اتّقوا الله عباد الله، وخافوا يوماً لا ينفع فيه مال ولا بنون إلاّ مَن أتى الله بقلب سليم، واعلموا أنّكم ملاقوه عن أعمالكم فتجزون بصالحها خيراً وبسوئها سوءاً، فاتّقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثمّ توفى كلّ نفس ما كسبت وهم لا يُظلمون. *إمام مسجد الزاوية الحجازية الرصفة - سطيف