اطلعنا على محتوى المقابلة الصحفية مع زعيم حركة النهضة التونسية الشيخ راشد الغنوشي المنشورة في جريدتكم العدد الصادر بتاريخ 21 فبراير 2012، والتي تمكن من خلالها، من تسليط الضوء على العديد من القضايا المتعلقة بالشأن الوطني التونسي ما بعد الثورة من جهة، كما ساهم في إغناء النقاش المغاربي حول جملة التحديات الماثلة ومسارات تفعيل مقدرات شعوب المنطقة بما ينسجم مع مبادئها وطموحاتها، من جهة أخرى. لكن الشيخ، في معرض إجابته على سؤالكم حول ما إذا كان لحركة النهضة ''تصور معين لحل قضية الصحراء الغربية التي تشكل حجر عثرة أمام بناء المغرب العربي''، يكون قد حمل إلى القارئ المغاربي إجابة أقل ما يقال عنها إنها ''غامضة''. إجابة يدعو من خلالها الشيخ الغنوشي إلى الانطلاق في مسيرة الاتحاد المغاربي من خلال ''تهميش'' سبب تعثره الجوهري، ألا وهو إصرار المملكة المغربية على المضي قدما في مصادرة حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف في تقرير المصير. في هذا الصدد، يجدر بي أن أثير انتباه الشيخ راشد الغنوشي، من خلال جريدتكم الموقرة، إلى النقاط التالية التي نعتبرها مهمة، بل محددة، في فهم نزاع الصحراء الغربية في إطاره التاريخي والقانوني من جهة، وبالتالي فهمه في الإطار المغاربي من جهة أخرى. أولا: حسب الأممالمتحدة، ومرجعيات القانون الدولي، فالصحراء الغربيةإقليم غير محكوم ذاتيا، بصدد عملية تصفية استعمار غير مكتملة. ورغم أن القانون الدولي المعاصر حسم بشكل صريح في جدل تنازع ''الحقوق التاريخية'' و''حق تقرير المصير'' باعتبار الأخير أولى وأسمى، فهو، فيما يتعلق بالنزاع على الصحراء الغربية، بالإضافة إلى ذلك، ينفي بشكل قاطع وجود أي حق تاريخي يدعم مطالب المغرب التوسعية في الصحراء الغربية، من خلال الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بلاهاي، الصادر بتاريخ 16 أكتوبر 1975، الذي يطالب، ومن بعده جميع قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الإفريقي وحركة دول عدم الانحياز ''بتمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير وفق ميثاق ومبادئ الأممالمتحدة''. الكفاح الوطني الصحراوي اندلع ضد الاستعمار الإسباني منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، وتواصل في شكل صراع مسلح مع الاحتلال المغربي إلى غاية 1991، وهو مستمر في ظل وقف إطلاق النار المؤقت حتى يتمكن الشعب الصحراوي من ممارسة ذلك الحق غير القابل للتصرف. ثانيا: لقد شكلت ''العقيدة التوسعية'' المستحكمة لدى المملكة المغربية السبب الرئيس والجوهري في تعثر المسار المغاربي منذ ''لقاء طنجة'' سنة 1958 إلى يومنا هذا. فحين كانت شعوب المنطقة تكابد لمداواة جراح عقود طويلة، وتتجه للتكامل مع الأشقاء الجيران بعد رحيل الغرباء الاستعماريين، عمد المغرب إلى طعن الجزائر المستقلة حديثا من الخلف باجتياح حدودها الغربية سنة 1963، كما قاد حرب ترهيب دبلوماسية ونفسية ضد الجمهورية الإسلامية الموريتانية، رافضا الاعتراف باستقلالها حتى سنة 1969 بنفس الحجج، أي ''الحقوق التاريخية''، وفي السنة التي وعدت إسبانيا خلالها الأممالمتحدة بتنظيم استفتاء تقرير مصير الشعب الصحراوي تتويجا لسنوات طويلة من النضال الوطني، بادرت المملكة المغربية إلى اجتياح الصحراء الغربية سنة 1975 فاتحة بذلك واحدة من أكثر صفحات حرب الأشقاء إيلاما، ارتكب المغرب خلالها جرائم وحشية بحق المدنيين الصحراويين، تبدأ من رميهم من الطائرات إلى دفنهم أحياء في مقابر جماعية، وباقي القصة يعرفها الجميع. المغرب هو من سدد أول سهام الغيلة للحلم المغاربي من خلال تبنيه لسياسة توسعية، ظل بموجبها يسير حملاته العسكرية ضد الأشقاء في جميع الاتجاهات. والمغرب هو المسؤول عن حالة الجمود الحالي، بسبب مواصلة احتلاله اللاشرعي للصحراء الغربية، وعدم التزامه بالوعد الذي قطع على نفسه أمام العالم بأسره، والذي بموجبه تتواجد بعثة للأمم المتحدة في الإقليم منذ سنة 1991، ألا وهو وعد التعاون لتنظيم استفتاء حر وديمقراطي ونزيه تحت إشراف الأممالمتحدة لتقرير مصير الشعب الصحراوي. ألم يقل الراحل الحسن الثاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ''إنني أشهدكم إن المغرب يريد الاستفتاء، وأنه مستعد لتنظيمه غدا إذا شئتم''. الصحراويون لا يطالبون بالمستحيل، ولا يريدون أكثر من يوم واحد من الديمقراطية التي دفع الشيخ الغنوشي تضحيات كبيرة من أجلها، يتمكنون خلاله من تقرير مصيرهم، ولهم أن يختاروا بكل حرية إن كانوا يريدون الاستقلال أو الانضمام للمغرب أو أي شكل وصيغة أخرى. لكن المحك ينبغي أن يكون صناديق الاقتراع، من خلال وضع جميع الخيارات أمام الشعب الصحراوي. وطيلة سنوات النزاع كانت ثمة جهود صادقة لإحياء الحلم المغاربي توجت بإعلان زرالدة سنة 1988، ولقاء مراكش التأسيسي سنة 1989، لكنها اصطدمت دائما بحقيقة انعدام الشروط الموضوعية لإنجاح التحدي بسبب استمرار المغرب في احتلال الصحراء الغربية وتمرده على الشرعية الدولية، وإمعانه في انتهاك حقوق المدنيين الصحراويين، كما توثق ذلك المنظمات الحقوقية الدولية. ثالثا: ضمن مساعي إعادة بعث الاتحاد المغاربي، تقضي المنهجية والمنطق مواجهة ''حجر العثرة''، وإمعان النظر فيه، واستنطاقه، ومحاورته، وتقليبه على كل أوجهه، ولربما بدت للشيخ حينها، وهو رجل الدولة الحاذق والإمام الورع، أفكار أكثر من مجرد مقاربة ''التهميش''، التي تدعو إلى المخاطرة بالسير بالقنبلة دون نزع مفجرها. فنبل المشروع، وحجم تعلق شعوب المنطقة به، بما فيها الشعب الصحراوي، يجعل من المخاطرة فعلا لا مسؤولا. ولعل أول خطوة يتعين على أشقائنا في تونس، وعلى رأسهم الشيخ راشد الغنوشي، القيام بها في هذا الإطار، هو التوجه للحكومة المغربية بالسؤال: لماذا هذا الخوف الوجودي من الاستفتاء؟ ولماذا هذا الرعب من تكليف بعثة الأممالمتحدة في الإقليم بمراقبة حقوق الإنسان؟ إذا كان حقا ما تقوله الرباط لضيوفها، من ارتباط الصحراويين بالمغرب، لماذا يمنعون من فرصة لتأكيد ذلك وتزكيته من طرف المجتمع الدولي؟ وإذا كان المغرب قد شيد ''جنات عدن'' في الصحراء الغربية كما يزعم، لماذا تمنع الأممالمتحدة من مراقبة حقوق الإنسان ويطرد الصحفيون والبرلمانيون والحقوقيون بشكل يومي من المدن المحتلة من الصحراء الغربية؟ مشروع الاتحاد المغاربي يتوجب علينا التطلع إليه في بعده كخيار وحتمية إستراتيجيتين، من خلال إزالة كل أسباب التعثر، ابتداء بأكبرها ألا وهو نزاع الصحراء الغربية، وذلك من خلال الاحتكام للشرعية والقانون الدوليين؛ فأزهار ''الربيع العربي'' لا تستطيع أن تتلاقح في أجواء تسيطر عليها طفيليات ''التوسع'' وطحالب ''القمع'' وأدران ''تكميم الأفواه''. وتونسالجديدة تستطيع، بل مطالبة، بإقناع المغرب بأن مصلحة الجميع تقضي بأن نتجنب ونجنب المنطقة انزلاقات جديدة باتت تلوح أكثر في الأفق كلما أمعن المغرب في سياسة الهروب إلى الأمام وإدارة الظهر للخيار الديمقراطي والقانوني المتمثل في استفتاء تقرير المصير. مقاربة ''التهميش'' والمراهنة على الزمن، لا تستقيم كذلك، لأن الوجود الوطني الصحراوي حقيقة قائمة، ليس من الممكن القفز عليها. فالجمهورية الصحراوية تمارس فعليا سيادتها الوطنية على جزء من تراب الصحراء الغربية ويعترف بها أكثر من 80 بلدا في العالم، وهي عضو مؤسس للاتحاد الإفريقي، ولها تحالفاتها الدولية الرسمية والشعبية الواسعة، مما يجعل تصور إمكانية الانطلاق الفعلي في أوراش ''اتحاد المغرب العربي'' من خلفية تهميش الشعب الصحراوي أمرا غير واقعي. لم يكن واقعيا بالأمس، وليس ثمة من طارئ يجعله واقعيا اليوم. رابعا: أما عن محاولة الشيخ الزج بالجزائر في المشكل حين قال في معرض إجابته على سؤالكم حول الصحراء الغربية ''زرت المغرب الأقصى وزرت الجزائر وتحدثت نفس اللغة في البلدين''، فبالإضافة إلى التحامل على الجزائر، ثمة تحامل آخر على أدبيات الأممالمتحدة التي حددت بشكل واضح ودقيق طرفي النزاع ''المغرب وجبهة البوليساريو''. في هذا الإطار، ولست بصدد الدفاع عن الجزائر ''فللكعبة رب يحميها''، أود الإشارة إلى أن التزام الجزائر بالدفاع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، لا يخرج عن المبادئ المؤسسة لسياستها الخارجية الداعمة لحقوق الشعوب المكافحة من أجل التحرر، ألم يقل آميكال كابرال ''إن الجزائرمكة الثوار''. والمطلع على تاريخ وجذور النزاع، يعرف أن الجزائر ظلت، منذ تبني الأممالمتحدة لأول توصية خاصة بتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية سنة 1965، متمسكة إلى اليوم بنفس الموقف الداعم لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. بالمقابل فالمغرب هو البلد الذي تحول من داعم لاستقلال الصحراء الغربية، كما ورد في مضمون خطاب السيد محمد الشرقاوي وزير خارجية المغرب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (أكتوبر 1966) إلى بلد محتل لها. وتقبلوا أسمى آيات المودة والاحترام