في قصة منع الوزراء من الترشح للانتخابات، كثير من الإشاعات وقليل من المعلومات الصحيحة. أما المؤكد فيها أن الوزير الذي عجز عن حل مشاكل قطاعه طيلة 10 سنوات من التسيير، توفرت خلالها موارد مالية غير مسبوقة، لا يمكن أن يكون موضع ثقة للسعي لحل مشاكل المواطنين الذين انتخبوه. ويرى الكثير بأن الوزراء موظفون اختارتهم السلطة لتنفيذ برامج ليسوا بالضرورة مقتنعين بها، والسبب أن الأحزاب بالجزائر لم تنتج أبدا نخبا سياسية تحمل مشاريع مجتمع حقيقية. رغبة رئاسية مفترضة في إبعادهم من المشهد لجذب الناخبين الفشل سمة الوزراء والسياسة الحكومية التي يطبقونها قال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في خطاب بوهران يوم 23 فيفري الماضي، إن ''الأوان حان لإحداث القطيعة مع العادات والممارسات السلبية، مثل التسيّب واللامبالاة...''. فهم كلامه فيما بعد أن القطيعة تعني إحجام الأحزاب عن ترشيح وزراء للانتخابات، على أساس أن انخراطهم في التشريعيات سيكون في الاتجاه المعاكس للرغبة في التغيير التي يريدها الجزائريون. لا يوجد أي شيء يثبت بأن بوتفليقة من موقعه رئيسا (مهيكلا أو شرفيا) للأفالان، ورئيسا للسلطة التنفيذية التي تشرف على حكومة يوجد فيها 36 وزيرا، قرّر أو يرغب في عدم ترشح الوزراء لموعد 10 ماي المقبل. وحتى إذا كان فعلا يرغب في ذلك، فإنها رغبة تتعارض مع القانون ومع حرية الأشخاص في الترشح وحرية الأحزاب، فيمن ترى أنهم أهلا لتمثيلها في البرلمان المقبل. ودعا بوتفليقة الأحزاب، في خطاب وهران، لأن تكون ''في مستوى أهمية هذا الاستحقاق الوطني، فتطرح برامج عملية مفيدة، وتقدم مترشحات ومترشحين ذوي كفاءة ومصداقية، قادرين على جذب الناخبين وإقناعهم''. وقرأ البعض ذلك على أنه تعليمة، مفادها أن جذب الناخبين يكون بتقديم مرشحين لم يتعوّدوا على رؤيتهم. ويقول قيادي نافذ في الأفالان ل''الخبر''، إنه لم يسمع بأي شيء يفيد بأن بوتفليقة طلب من قيادة الحزب إبعاد الوزراء من الترشيحات. وأوضح أن الجدل الذي يثار حول الموضوع ''يعكس أمنية بعض الأشخاص في الحزب الذين لا حظّ لهم في الترشح''. وأضاف: ''الطيب لوح، وزير العمل، دليل على عدم صحة ما يشاع حول الموضوع، لأنه سيترأس قائمة مرشحي الأفالان في ولاية تلمسان''. نفس الشيء بالنسبة للأرندي، شريك حزب الأغلبية في التحالف، الذي قام لدعم ترشح بوتفليقة في استحقاق .2004 فقد ذكر أحد وزراء الحزب أن بعض زملائه في الحكومة ورفاقه في الحزب ''لا يريدون الترشح وفقا لاختيار شخصي، وليس بسبب قرار من الرئيس.. بل لا يوجد أصلا مثل هذا القرار''. ويعلق وزير سابق عيّنه بوتفليقة سفيرا في عاصمة أوروبية بعدما نحاه من الحكومة، على الجدل الذي سبق نهاية آجال إيداع القوائم قائلا: ''إذا كان رئيس الجمهورية لا يريد أن يدخل الوزراء المنافسة الانتخابية بحجة أن مشاركتهم ستتسبب، كما يشاع، في عزوف الناخبين، فكان أولى بالرئيس أن يكبح رغبته في الترشح لانتخابات 2009 الرئاسية''. ويضيف الوزير والسفير السابق الغاضب على السلطة بعدما أخرج منها: ''إذا كان المبرّر أن هؤلاء الوزراء فاشلون ولم يحققوا شيئا للجزائريين، ولا يملكون شعبية ولا يحظون بالمصداقية، فهم في النهاية أعضاء في سلطة تنفيذية يرأسها بوتفليقة، ويطبقون توجيهات حدّدها بوتفليقة في برنامج عرضه على الناخبين قبل 3 سنوات.. هذا يعني أن العزوف الانتخابي الذي يثير هاجس الرئيس، إذا وقع يوم 10 ماي، فمبرّره حينها نهج اختارته السلطة وأثبت إفلاسه، ويتحمل تبعاته صاحب هذا النهج وليس الوزراء''. الجزائر: حميد يس
جزائريون يرفضون ترشح الوزراء ''سئمنا منكم.. ارحلوا'' لا يؤيد العديد من الجزائريين ترشح الوزراء للانتخابات التشريعية، وساق من استجوبتهم ''الخبر''، مبرّرات متشابهة، تصبّ في مجملها في ''فشلهم'' في إدارة شؤون قطاعاتهم، علاوة على أن ''ترشيح الوزراء'' يتناقض مع الرغبة في التغيير. يقول فاروق، 32 سنة، مهندس معماري، إنه ضد ترشح الوزراء ''وإذا كانت هذه الانتخابات فرصة لإجراء إصلاحات حقيقية، فيجب تغيير الوجوه كاملة''، وأضاف ''سئمنا هذه الوجوه التي سيّرت شؤون البلاد منذ عشرات السنين، وقد آن الأوان ليتسلم الشباب المشعل''. ويرى مراد، 35 سنة، موظف بشركة خاصة، أنه ''إذا أرادت السلطة المراهنة على شفافية الاقتراع وتنظيم انتخابات نزيهة، على الأقل أمام المجتمع الدولي، من المستحسن استبعاد ترشح الوزراء، لاسيما أن الحكومة الحالية تشرف على الانتخابات، ما يمس بمصداقية الاقتراع''، وتابع ''إن بقاء الوزراء وترشحهم للبرلمان القادم سيزيد من هاجس العزوف الانتخابي، بعدما أيقنت الغالبية من المواطنين أنه لا أمل في التغيير، مع استمرار نفس الوجوه في البرلمان''. ويرى حكيم، 39 سنة، إداري، أن تأكد ''استعمال الوزراء لوسائل الدولة''، ويقول باعتباره موظفا إنه ''لي تجربة في ذلك، حيث يطلب وزراء من موظفيهم في الولايات مساعدتهم في الحملات الانتخابية، على أن يردوا جميلهم لما يفوزون''، مشيرا إلى ''اختلال في مكانة الوزراء مع المترشحين الآخرين في أحزاب أخرى''. من جهتها، تقول ''م. ب''، أستاذة جامعية، إن ''ترشح الوزراء تكريس للرداءة والفشل والتبزنيس بأصوات المواطنين، فكيف نفسر أن هؤلاء الذين تقلدوا المسؤوليات وكلفوا بمشاريع بعضها لم يتم إلى اليوم، وعرفت قطاعاتهم اضطرابات وهزات عنيفة، يتقدمون للمجلس الذي أساسا وضع لمحاسبة الحكومة وتسيير عملها ومراقبته، أنه تناقض صارخ واستغباء وعدم احترام لمطالب المواطنين الذين سئموا من رؤية نفس الوجوه وتكرار نفس السياسات لسنوات''. وتضيف ''أرى أن الظرف الحالي يفرض علينا أن نغير ليس فقط في البرامج، لكن أيضا في الوجوه والإطارات التي تطبق هذه البرامج، وإعطاء فرصة لأسماء جديدة تعيد الثقة بين المجلس الشعبي والمواطن''. أما محمد بلعاليا، صحفي، فيقول صراحة ''أنا ضد ترشح كل هؤلاء الوزراء، وأنا مع تغييرهم وإبعادهم من الساحة قبل الانتخابات، لأنهم سبب بلاوي الجزائر''. ويعتبر بلعاليا أن الانتخابات التشريعية ''لن تكون مختلفة عن سابقاتها، وأن مقاطعة الشعب ستكون بقوة، غير أن النظام حضر نفسه من أجل تزوير الأرقام والانتخابات لإنجاحها''. ويرى المتحدث أن ''ترشح الوزراء يتناقض مع الرغبة في التغيير، لأنه لا تغيير دون رحيل الحاليين. لذلك، نتساءل، هل فعلا هناك رغبة في التغيير، لأن ما نراه في الساحة لا يوحي بوجود أي رغبة في التغيير''. الجزائر: محمد شراق
رئيس مجلس شورى ''حمس'' عبد الرحمن سعيدي ''أتوقع عقوبات فردية على الوزراء المرشحين''
هل توافق من حيث المبدأ على منع الوزراء من الترشح؟ من حيث المبدأ الوزير مواطن ومن حقه الترشح، ولكن يبقى أنه أمام الوزير قبل إبداء نية الترشح، أن ينظر بعين الاعتبار أنه كان مسؤولا أمام الشعب، فلينظر في أدائه أولا، إن كان إيجابيا وأدى ما عليه. الناخب الجزائري متابع جيد، وقادر على تصنيف الوزراء والمسؤولين والمنتخبين، بمعنى أن مصداقية الوزير في القائمة من مصداقيته في المسؤولية. صحيح أن المرحلة الحالية تستدعي النظر إلى جزء من المجتمع الجزائري، يريد التغيير على مستوى الوجوه والبرامج، وهذا أيضا يستدعي النظر في مدى قابلية هذا الوزير لرؤية التغيير. فالمجتمع ليس لديه حكم مطلق، بمعنى العقوبة الجماعية، فهو يصنف وزراء بعينهم، وهذه ميزة الانتخابات التشريعية القادمة التي تجري في فترة يمكن من خلالها معرفة القاصي من الداني، والوزير المقتنع بدور برلماني من غيره. لكن، لماذا تتجه الأحزاب لترشيح وزراء على رأس قوائم؟ هناك نزعة حزبية معروفة، بأن الأحزاب تعتقد أن الوزير لما يترشح على رأس قائمة، سينظر إليه شعبيا بمعيار آخر، وأن نجاحه مضمون، لكن انتخابات سابقة أثبتت أن هذه النظرية ليست دائما صالحة. ففي تشريعيات 2002 كثير من الوزراء لم يضمنوا مقاعدهم إلا بالباقي الأقوى، لذلك، أرى شخصيا أن ترشح الوزراء للبرلمان يجب الاحتكام فيه لقناعة المترشح لدوره في البرلمان، ولا أتمنى أن ينزع وزراء بدل ذلك نحو دعم أو مساندة قائمة أو تحقيق نجاح لقائمة. أمام الضمانات التي تروّج لها السلطة، هل هذا السيناريو ممكن ؟ المعطيات الحالية تقول العكس، وأمام التحولات الجارية، مثل هذه الأطروحات لا تقوى على النهوض، لأن الناخب الجزائري بات يبحث عن مدى تمثيلية الشرائح، كما أن وسائل الحملة الانتخابية بالنسبة للوزارء موضوعة تحت المجهر، ولا يوجد لاحقا شيء اسمه مرشح فوق العادة. الأفضل أن يرى كل وزير أداءه ويقيّمه، بدل أن يغامر في متاهات غير محسوبة. الجزائر: حاوره عاطف قدادرة
الباحث في علم الاجتماع السياسي عبد الناصر جابي ''الوزراء مخادعون يؤدون دورا مزدوجا''
ما الذي يدفع الوزراء إلى الترشح للانتخابات؟ في اعتقادي، يدخل ترشح الوزراء في سياق تسيير مسار سياسي بالنسبة للوزير، والذي يتراوح بين النيابة في البرلمان والوزارة والسفارة. هذا أمر طبيعي، يدخل في إطار تكوين النخبة السياسية وتراكم التجربة، لكن ليس بالضرورة أن تكون هناك صلة بين الترشح والرغبة في إعادة التعيين في البرلمان. أغلب الطاقم الحكومي الحالي ليس متحزبا، ولم يمر على البرلمان قبل الحكومة. الحزب ككيان سياسي في الجزائر، لا ينتج نخبا سياسية، بل يسيّر نخبا متهالكة. وحتى عندما ينتج قيادات شابة، ينتجها بنفس المعايير التي عليها الوزراء، والحزب لا يتمتع بثقة إلا بنسبة 2 بالمائة، وبالتالي لا يقدم ترشح الوزراء أي خدمة لأحزابهم. هل يقبل الناخب بوزراء مرشحين رغم اتهامهم بالفشل في التسيير؟ اللعبة الانتخابية صعبة في الجزائر، رغم خطاب التشبيب الذي نسمعه. لكن، هناك مصالح تتغلب على الخطاب، الوزير الذي يبقى 10 سنوات في الحكومة بالتأكيد ستكون له مصالح وارتباطات، وله مريدون يستفيدون من موقعه، والمتعاملون معه على المستوى المحلي وعائلته الكبيرة على الأقل، وهؤلاء يهمهم استمراره في منصبه المركزي، لضمان استمرار استفادتهم من الامتيازات. هل يدل ترشح الوزراء على حالة خوف من المستقبل؟ فعلا، هناك تخوف من تسيير مسار مهني، فيه بعض الجوانب الشخصية والوظيفية، هناك مصالح شخصية تقف وراء ذلك، وهناك من الوزراء من يطمع في أن ينهي مساره بتقاعد مريح، وهناك تخوّف من تقلبات المستقبل، خاصة في الجزائر. لكن، في اعتقادي، السؤال الأبرز فيما يتعلق بترشح الوزراء هو: ما إذا كان النائب الوزير أو الوزير النائب ممثلا فعليا لشريحة من الشعب والمجتمع؟ برأيي، هناك لعبة وتمثيلية مزدوجة يمارسها الوزراء، من جهة على صاحب القرار المركزي في الحزب، حينما يحاولون إقناعه بأن لهم تمثيلا قويا في مناطقهم، ومن جهة ثانية يقنعون الناخبين أن لهم دعما مركزيا من السلطة. هذه تمثيلية ومسرحية مزدوجة، رغم أن هناك بعض الوزراء الذين جاؤوا منذ سنوات إلى العاصمة وانقطعوا عن مناطقهم الأصلية، لكنهم يخدعون صاحب القرار المركزي في الحزب أو في السلطة. الجزائر: حاوره عثمان لحياني