أجرت فحوصات طبية في فرنسا قبل وفاتها بعشرة أيام أجندتها التي أوقفها القدر: الراحة في الجزائر ثم إعداد أغنيتين في لبنان ثم مصر
صعدت في تمام الساعة الخامسة والنصف من مساء أول أمس الخميس، روح فقيدة العالم العربي وردة الجزائرية، بعد أن أوصت بدفن جثمانها في الجزائر بجوار قبر والديها، ولف تابوتها بالعلمين الجزائري والمصري. وشهدت جنازتها حضورا كبيرا للفنانين المصريين صلوا عليها بمسجد صلاح الدين، لينقل جثمانها إلى المطار مباشرة أين كانت تنتظره طائرة خاصة لنقله إلى الجزائر. يقع منزل أميرة الطرب العربي في بناية شهيرة تطل على النيل مباشرة، وتحمل رقم 67 شارع عبد العزيز آل سعود بحي المنيل، القريب من وسط القاهرة، حيث كانت الفقيدة تقطن في الطابق الواحد والعشرين، وهو مكان مميز جدا تستطيع أن ترى من شرفته معظم معالم القاهرة، وتستنشق فيها هواء النيل، اختارت هذا المكان منذ عشرين عاما، فابتعدت به عن تلوث القاهرة، وأعطاها الفرصة أن ترى كل شيء دون أن يشعر بها أحد، فوردة ليست شخصية عادية ولا تستطيع أن تسير في الشارع دون أن تختبئ من محبيها، ورغم انتقالها إلى مثواها الأخير، إلا أن العشرات من محبيها تجمهروا أمام البناية التي تقطن بها، بمجرد إعلان خبر وفاتها، وسهروا حتى فجر أمس الجمعة، ومنع الأمن دخول الصحفيين والإعلاميين بناء على طلب من التونسية نجاة أقرب صديقاتها، والتي رافقتها في سنواتها الأخيرة. اكتظاظ المنزل لحظات بعد الوفاة في تمام الساعة الخامسة والنصف من مساء الخميس الماضي، تلقى سفير الجزائر لدى القاهرة السيد نذير العرباوي مكالمة من منزل الفقيدة، حيث أبلغوه بأن وردة نائمة ولا تتحرك ويشكون في شيء ما، انتقل السفير على الفور إلى منزلها ليجد طبيبها الخاص مبلغا إياه بالخبر الأليم، إثر إصابتها بأزمة قلبية، ليبدأ السفير في أخذ العزاء من أعضاء الجالية الجزائرية وعشرات نجوم الفن المصري، وكان في مقدمتهم المطربة شيرين عبد الوهاب وزوجها الموسيقي محمد مصطفى، وكادت شرين أن تتعرض لإغماء على باب المنزل من كثرة البكاء، كما حضر أنغام وإيمان البحر درويش نقيب الموسيقيين المصريين، والمغربية سميرة سعيد، والإعلامي وجدي الحكيم، والملحنين صلاح الشرنوبي ومحمد ضياء، وكانوا في حالة ذهول ويبكون بشكل هستيري، واتصلت المطربة التونسية لطيفة بالصحفي المصري أحمد السماحي أحد المقربين من الفقيدة، وقالت له إنها في دبي ولا تصدق ما حدث، وبكت ثم أكدت له أنها ستستقل أول طائرة إلى الجزائر لحضور الجنازة. ولم يتوقف توافد المعزين، فقد وصل المطرب محمد الحلو في الثانية والنصف صباحا، ولم يستطع الصعود إلى المنزل ووقف لدقائق في الشارع يتحدث مع الجالية الجزائرية التي أكملت استقبال العزاء أمام باب البناية. قصر الأميرة ومتحف الزمن الجميل يعتبر منزل الفقيدة -رحمها الله- عالما خاصا بها، ويقطنه ست مساعدات وابنها رياض وصديقتها نجاة، ومجموعة من القطط التي تهوى تربيتها، ويتكون من طابقين داخل البناية. تحمل ديكوراته الطابع الجزائري، إذ اعتمدت على الفضاءات المفتوحة مع قطع أثاث قليلة وقيمة. يضم الطابق الأول مساحة مفتوحة للمعيشة، وفيه مكتبها حذث تتصدره راية وطنية كبيرة، بالإضافة إلى بعض الصور الفوتوغرافية، أهمها صورة لها مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وهي تتقلد وساما بعد اشتراكها في أوبريت ''الوطن الأكبر''، مع نخبة من عمالقة زمن الفن الجميل، أما الصورة الثانية فهي مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ومقطوعة من إحدى المجلات، ويبدو أن لهذه الصورة معنى لا يعرفه كثيرون، وهو أنه كان هناك مشروع فيلم مشترك بينهما ولم يكتمل، أما الصورة الثالثة فكانت مع الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب والمطربة الراحلة فايزة أحمد، ويتضح أنها صورة من أوبريت ''الوطن الأكبر''، الذي لحنه عبد الوهاب.. أما الطابق الثاني فهو عبارة عن غرف نوم فقط لا يدخلها سوى العائلة والأقارب. في بيت الفقيدة حديث عن الطيبة الجزائرية وصلت ''الخبر'' إلى المنزل في الساعة الثامنة والنصف صباحا، حيث كان متواجدا سفير الجزائربالقاهرة نذير العرباوي والفنانة فيفي عبده التي بدت منهارة، وبعدها بدقائق دخلت نبيلة عبيد والتي لم تتمالك نفسها، وكادت تسقط على الأرض من المصاب الجلل الذي حل كالصاعقة، فقد كانت تجر أقدامها على الأرض، وساعدها المتواجدون على الجلوس، وأصرت نجاة -صديقة الراحلة- على عدم السماح لأي أحد بإلقاء نظرة الوداع على الجثمان، حتى نبيلة عبيد وفيفي عبده، رغم أنهن من أقرب صديقاتها، وهن فقط من الوسط الفني اللائي واضبن على الاتصال بها بشكل دائم، وزيارتها للاطمئنان عليها، وأيضا هاني شاكر الذي كان يقطن في نفس البناية، بالإضافة إلى الجالية الجزائرية التي ودعتها بالزغاريد. في العزاء الأول بالمنزل، لم تخل الأحاديث عن طيبة وردة وحبها للآخرين، ويشهد على ذلك مساعداتها اللائي رفقنها في وحدتها، ''كانت تعاملنا بطيبة ورفق، وتحب الحديث معي كثيرا، وقبل مغادرتها إلى باريس كانت تتذكر كثيرا إخوتها ووالديها، وقالت لي إن ذاكرتها تستحضر بشدة صورة أخيها مسعود الذي توفي في بيتها بالقاهرة''، هكذا كانت تتحدث صباح، وعيناها مغرورقة بالدموع، عن الفترة التي قضاتها مع الأميرة وردة.. رحيل وردة الجزائر التي أزهرت على مختلف مسارح المعمورة، لم يقف على دموع محبيها فقط، بل انتقل إلى القطط التي كانت تربيها، فقد انزوى بعضها جانبا وتوقفت عن الأكل، وظلت إحدى القطط تحوم حول الكرسي الذي كانت تجلس عليه وردة -رحمها الله- فقد وضعت نجاة صورة للفقيدة على الكرسي ومنعت الجلوس عليه، فلهذا الكرسي ذكريات كثيرة مع الأميرة، وكان مفضلا بالنسبة إليها. الرحلة الأخيرة.. وسط الدموع في تمام الحادية عشر صباحا، خرج التابوت من منزل الأميرة بعد انتهاء الغسل الشرعي، حمل التابوت على كتف السفير نذير العرباوي ومجموعة من محبيها، حيث كان ينتظرها في الشارع المقابل للبناية المئات من المحبين والإعلاميين، فقد تواجدت ما لا يقل عن 30 محطة فضائية مصرية وعربية وعالمية، وانطلق التابوت إلى مسجد صلاح الدين في نهاية الشارع، حيث كان ينتظرها مجموعة ضخمة من المحبين والفنانين، على غرار: دلال عبد العزيز ورجاء الجداوي ومحمود ياسين ولبلبة وكمال أبو رية وهاني شاكر والراقصة دينا ووالموسيقار هاني مهنا وصلاح الشرنوبي، وكانت خطبة الجمعة عن الأعمال الحسنة في الدنيا وحسن الخاتمة. في نفس الوقت كانت قد وصلت طائرة خاصة من الجزائر إلى مطار القاهرة الدولي، لتقل الفقيدة إلى مثواها الأخير، وبعد الصلاة عليها انطلقت إلى المطار في موكب مهيب، وانطلقت الطائرة باتجاه الجزائر في تمام الثالثة زوالا بتوقيت القاهرة، ورافقها السفير. وردة والجزائر وبوتفليقة.. حديث عن الحب حديث الذكريات لا يتوقف، ووردة في سنواتها الأخيرة كانت أكثر انفتاحا وحنينا للجزائر، فقد كانت فخورة بتكريم بوتفليقة لها، وقالت لمقربين منها إنها كانت تعرف بوتفليقة قبل أن تصبح نجمة وتنتقل إلى مصر، وأنه كان جارها، وبعد التكريم طلب منها العودة إلى الجزائر، فردت عليه ''لا تخيرني لأنه خيار صعب، فالجزائر وطني ووطن أهلي، ومصر نجاحي وبها أفضل الأستوديوهات والشعراء والملحنين''، وكانت تقول لأصدقائها إن بوتفليقة فيه إنسانية كبيرة، وأنصف الفن في الجزائر من خلال تكريمها. كانت تعشق وردة أيضا جمال عبد الناصر، وكان يهتم بها كثيرا، وبشكل أقل كانت تحب السادات، فقد تم تكريمها من الاثنين، وكرهت مبارك جدا ولم تكن تطيق سماع اسمه، فقد رفض إعطاء ابنها رياض الجنسية المصرية، رغم أنها حصلت على الجنسية المصرية بعد زواجها من بليغ حمدي، وكان من حقها قانونا منح الجنسية لابنها رياض حتى لو كان من أب آخر غير مصري، فقد كانت ترى أن الجنسية المصرية حق لابنها وتكريما لشخصها لما غنته من أجل مصر، هذه الحكاية كانت تؤلمها جدا وترفض الحديث عنها كثيرا. في حديث الذكريات، كانت آخر حفلة لوردة في لبنان، وغنت فيها ''قلبي سعيد'' و''في يوم وليلة''، وكانت سعيدة بأن الله أمد في عمرها حتى رأت ثورات الربيع العربي، فمن أقوالها الشهيرة في مصر ''حينما أسير بالسيارة وأرى شخص فقير أكره العز الذي أعيش فيه''، وكانت تعطي في هذه اللحظة كل ما في جيبها للفقير. آخر أيام وردة الجزائر قبل الوفاة بعشرة أيام، توجهت وردة إلى باريس لعمل فحص طبي شامل رفقة ابنها رياض، وهناك اكتشفت أن حالتها الصحية جيدة، وعادت إلى مصر بمفردها ثم وضعت خطة للسفر إلى الجزائر للراحة، ثم لبنان حيث كانت تنتظر أغنيتين كتبهما وألفهما الملحن اللبناني بلال الزين، وكانت هذه هي المرة الأولى في تاريخها الفني العريق الذي تغني باللهجة اللبنانية، فقد مالت مؤخرا إلى الغناء بأكثر من لهجة، وحينما قامت بعمل فيديو كليب مع المطرب الخليجي عبادي الجوهر، شعرت بالقلق في البداية وسألت كل من حولها عن رد فعل الجمهور، ولما وجدته إيجابيا تشجعت، وقررت الغناء باللهجة اللبنانية، كما كانت تحضر أغنية أخرى مع الملحن المصري وليد سعد. في الأيام الأخيرة للأميرة واضبت على طقوسها اليومية، فقد كانت تتدرب على الغناء وتمرن حبالها الصوتية. تستيقظ من النوم في تمام العاشرة صباح كل يوم، وتشاهد قنوات الأغاني لتبحث عن الأصوات الجيدة، والألحان المختلفة.