شعبان هو الشّهر الذي يسبق شهر رمضان، وهو كالمقدمة لشهر رمضان، وهو أيضاً شهر تُرفَع فيه الأعمال إلى الله تعالى، وتُقبَل فيه الأعمال، وتُغفَر فيه الذنوب، ويَغفَل فيه النّاس عن العبادة. روى النسائي من حديث أسامةُ بنُ زيد، رضي الله عنهما، أنّه قال: قلتُ: يا رسول الله، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْراً مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قال: ''ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ''. الصّيام عبادة عظيمة، يظهر فيها الإخلاص، جعل الله أجره عليه، قال الله عزّ وجلّ في الحديث القدسي: ''كلّ عمل ابن آدم له إلاّ الصّيام لي وأنا أجزي به''؛ وجعله النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، سبباً في تكفير الذنوب والخطايا، فقال: ''فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفّرها الصّلاة والصّيام والصّدقة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر'' رواه الترمذي. يغفَل كثير من النّاس في هذا الشهر المبارك الذي يُعَدّ من أفضل الشهور، ولم يعُدُّوا له العُدّة بعد، بل قد يمُرّ نصفه وهو يفكر أو يسوف، وقليل منهم مَن يتأهّب ويحضّر له بجدّ وعزيمة صادقة، لمزيد من الطّاعة والخير في رمضان. ثبت في الصّحيحين وغيرهما من حديث عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله يصوم حتّى نقول: لا يفطر، ويفطر حتّى نقول: لا يصوم، وما رأيتُه أكثر صياماً منه في شعبان. قال العلاّمة ابن رجب رحمه الله: ''قيل في صوم شعبان: إنّ صيامه كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمَرَّن على الصّيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصّيام ولذّته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط''. وعدَّ الكثير من العلماء شهر شعبان ''دورة تأهيلية'' لرمضان، من خلال الحرص على اعتياد قراءة القرآن الكريم والصّوم وذِكر الله عزّ وجلّ والصّدقة وسائر العبادات، لأنّ هذا الشّهر يغفل عنه كثير من النّاس، كما جاء في الحديث السّالف الذِّكر، والذي يحثّ فيه على استحباب عِمارة أوقات غفلة النّاس بالطّاعة، وقد كان طائفة من السّلف الصّالح يستحبُّون إحياء ما بين العِشاءين (صلاتي المغرب والعشاء) بالصّلاة ويقولون هي ساعة غفلة، ومثل هذا استحباب ذِكْر الله تعالى في السُّوق، لأنّه ذِكْر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة. وكذلك، فإنّ العمل الصّالح في أوقات الغفلة أشقّ على النّفوس، ومن أسباب أفضلية الأعمال مشقّتِها على النّفوس، لأنّ العمل إذا كثُر المشاركون فيه سهُل، وإذا كثُرت الغفلات شقّ ذلك على المتيقظين، وعند مسلم من حديث معقل بن يسار: ''العبادة في الهرْج كالهجرة إليَّ''، أي العبادة في زمن الفتنة؛ لأنّ النّاس يتّبعون أهواءهم، فيكون المتمسك يقوم بعمل شاق. وكان بعض السّلف يصوم سنين عدداً لا يعلم به أحد، فكان يخرج من بيته إلى السوق ومعه رغيفان، فيتصدّق بهما ويصوم، فيظُنّ أهله أنّه أكلهما ويظنّ أهل السوق أنّه أكل في بيته، وكان السّلف يستحبُّون لمَن صام أن يُظهر ما يخفي به صيامه، فعن ابن مسعود، رضي الله عنه، أنّه قال: ''إذا أصبحتم صياماً فأصبِحوا مدَّهنين''، وقال قتادة: ''يستحب للصّائم أن يدَّهِن حتّى تذهب عنه غبرة الصّيام''. فذَكِّروا أنفسكم واعتمدوا على ربِّكم وذكِّروا مَن حولكم، وستنالون شهادة رضا ومحبّة وقبول ممّن ترفع إليه أعمالكم، وبادروا بالأعمال الصّالحات.