كرّر الباري تعالى الأمر بالتّوجُّه إلى البيت الحرام في ثلاث آيات لأن المنكرين بتحويل القِبلة كانوا ثلاثة أصناف من النّاس: اليهود لأنّهم لا يقولون بالنسخ في أصل مذهبهم، وأهل الريب والنِّفاق اشتد إنكارهم له أنّه كان أوّل نسخ نزل، وكفار قريش قالوا: ندم محمّد على فراق ديننا فسيرجع إليه كما رجع إلى قبلتنا، وكانوا قبل ذلك يحتجون عليه فيقولون: يزعَم محمّد أنّه يدعونا إلى مِلّة إبراهيم وإسماعيل وفارق قبلة إبراهيم وإسماعيل وآثر عليها قبلة اليهود فقال الله تعالى له حين أمره بالصّلاة إلى الكعبة: ''لئِلاّ يكون للنّاس عليكم حُجّة إلاّ الّذين ظلموا منهم'' البقرة.150 أي لكن الّذين ظلموا منهم لا يرجعون ولا يهتدون. قال سبحانه: ''الحقُّ مِن ربِّك فلا تكُن مِن المُمْتَرين'' آل عمران.60 من الّذين شكوا قبلك فلا تمتري في ذلك وقال: ''وإنّ الّذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنّه الحقُّ من ربِّهم'' البقرة.144 قال تعالى: ''وإنّ فريقاً مِنهُم لَيَكْتُمون الحقَّ وهُم يعلمون'' البقرة.146 أي يكتمون ما علموا من أنّ الكعبة هي قبلة الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام. وروى أبو داود أنّ يهودياً خاصم أبا العالية في القِبلة، فقال أبو العالية: إنّ موسى عليه السّلام كان يُصلي عند الصّخرة ويستقبل البيت الحرام فكانت الكعبة قبلته وكانت الصخرة بين يديه، وقال اليهودي: بيني وبينك مسجد صالح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال أبو العالية: فإنّي صلّيتُ في مسجد نبي الله صالح وقِبلته الكعبة. وأخبر أبو العالية أنّه رأى مسجد ذي القرنين وِقبلته الكعبة المشرّفة.