تعوّد الجزائريون في شهر رمضان على الاستمتاع بالبرامج الفكاهية والكاميرا الخفية بعد وجبة الإفطار، للترويح عن النفس بعد يوم صيام شاق، غير أنهم يجهلون أنهم يفوّتون مشاهد واقعية أكثر طرافة، أبطالها صائمون يقعون تحت رحمة بطونهم. من بين من يكونون فريسة ''لهلوسات الصيام''، العم محمد سميان، الذي تعاني زوجته الأمرّين معه كلما يحل الشهر الكريم، حيث يختار عطلته كل سنة بالتزامن مع شهر رمضان، ليقضي جل وقته في النوم، ثم يستيقظ ليزاحمها في المطبخ لتحضير ما تشتهيه نفسه، غير أن ما وقع له السنة الماضية، جعله يعتزل دخول المطبخ نهائيا. عصبان بطعم العسل يقول العم محمد: ''اشتهيت في الأيام الأخيرة من رمضان الماضي طبقا، غير أن الأمر لم يعجب زوجتي التي كانت منهمكة في تحضير الحلويات باقتراب العيد، ناهيك عن الحرارة الكبيرة التي ميزت ذلك اليوم''. ولأن زوجته أصرت على رأيها، أقسم محدثنا على أن تكون ''العصبان'' على مائدة الإفطار من صنع يديه بمساعدة ابنته، وبالفعل دخل المطبخ وحضّر الطبق الذي أخذ من وقته الكثير، واستغنى عن الشربة في ذلك اليوم ليستمتع بمذاق ما صنعت يداه. غير أن صدمة صاحبنا كانت كبيرة عندما وجد ذوق ''العصبان'' حلوا، مواصلا: ''اختلط علي الأمر وظننت أنه طبق اللحم لحلو، لأكتشف أنني مرقت بالشربات التي حضرتها زوجتي من أجل القطايف، فراحت عليّ العصبان ولم أكسب إلا التعب وسخرية العائلة''. إفطار بعد ساعتين بسبب الزلابية أما الإعلامي كريم، فهو من بين من يفقدون توازنهم في شهر الصيام، فما إن يهل هلال رمضان حتى تنقلب أحواله ويتحول إلى شخص آخر، يشتهي كل ما يخطر على باله. يضحك كريم وهو يتذكر موقفا عاشه منذ سنوات في شهر الصيام، إذ هفت نفسه على زلابية بوفاريك التي تشتهر بصنعها إحدى العائلات، ولأن أحد زملائه يقيم هناك طلب منه اقتناء ثلاثة كيلوغرامات منها، على أن يلتقيه ساعتين قبيل الأذان. وبالفعل رافق كريم اثنين من أصدقائه إلى بوفاريك وانتظر صديقه في المكان المتفق عليه، لكن مرت ساعة وأخرى واقترب موعد الأذان ولم يظهر لصديقه أثر، فاضطر للعودة إلى العاصمة دون الزلابية المنشودة، ولم يصل إلى بيته إلا ساعتين بعد الأذان متعبا ومنهكا. لكن ما لم يتوقعه كريم أنه فيما كان يتأهب لصب غضبه على زميله في اليوم الموالي، كان هذا الأخير سباقا إلى لومه بعد أن فوّت الإفطار وقضى ساعات في الطابور لاقتناء زلابية لم تُأكل. سمك فاسد للإفطار أما لرابح حكاية أخرى مع طرائف الشهر الكريم، فصاحبنا يعشق السمك، ولا تكتمل مائدته الرمضانية دون أن يزينها به، سواء كطبق رئيسي أو كمقبلات. وهو لا يتوانى عن قطع المسافات الطويلة وهو صائم لاقتنائه. غير أن ما حدث له في أحد أيام الشهر الكريم، دفعه لتطليق وجبته المفضلة بالثلاث. يقول رابح: ''مثل العادة، تكبدت عناء التنقل إلى بوهارن في يوم رمضاني ساخن لاقتناء السمك، ورافقني صديق لي، ولأن الطريق كان مزدحما عند العودة، اقترح علي مرافقي طريقا آخر مختصرا، وطلب أن نتبع رفيقا آخر سبقنا بسيارته''. يواصل محدثنا: ''توغلنا في طريق وعر، بدا لي في أول وهلة أننا أخطأنا، لكن مرافقي أصر على أنه الطريق الصحيح. وبعد وقت طويل من السير، اكتشفنا أننا أخطأنا بالفعل، فعدنا أدراجنا لأصل إلى البيت وقت صلاة العشاء، بسمك فاسد، ولم أنل إلا غضب زوجتي التي انتظرتني لساعات على مائدة الإفطار، وبالطبع تحولت يومها إلى أضحوكة بين رفاقي''. إفطار الحومة على حسابه ولا تقل قصة السيد عمر بن حاج، ابن حي القبة، طرافة عن القصص السابقة، فرمضان يفعل فيه فعلته، ويأخذ منه ''تحويشة العام''، على حد قوله، كما يتعرض كل سنة لمواقف طريفة لا يكتشف غرابتها إلا بعد أن يرفع أذان المغرب ويسكت صوت البطن عن الكلام المباح. يقول محدثنا: ''كثيرة هي المواقف التي عشتها في رمضان، لكن أكثرها غرابة حدثت معي قبل سنتين، عندما عدت إلى البيت محملا بمشتريات تكفي لشهرين (يضحك)، تصوري حتى الحليب اشتريت منه 7 أكياس رغم أننا عائلة قليلة العدد''. ولأن زوجة السيد بن حاج أنّبته على صرف أمواله على الكماليات وعلى أغراض لن تسعها الثلاجة، ما كان منه إلا التخلص منها بطريقته. يواصل السيد عمر: ''أعدت كل ما اشتريت إلى سيارتي، وطرقت أبواب جميع الجيران ووزعت عليهم كل ما اشتريت وسط استغرابهم، ولم أنتبه لما فعلت إلا بعدما أفطرت على فنجان قهوة، بينما تلذذ الجيران بالجمبري واللحم والدجاج وكل ما يمكن تخيله، ناهيك عن أنني كنت (السكاتش) الذي تمتع بالضحك عليه أبناء الحي في تلك السهرة الرمضانية''.