تتوالى الزيارات الرسمية للمسؤولين الجزائريين والفرنسيين من وإلى الجزائر، وتتوالى التصريحات التي تؤكد على تكامل وجهات النظر بخصوص العلاقات الثنائية وضرورة تحقيق نقلة نوعية والتعاون بين البلدين... لكن كلما اقتربت هذه التصريحات من الواقع وطرحت الملفات العالقة منذ الاستقلال بشكل خاص، إلا واتضحت هوة شاسعة تفصل مواقف الحكومتين الجزائرية والفرنسية. من بين هذه الملفات التي كثر عليها الحديث وتعددت الدعاوى القضائية حولها وامتدت الشكاوى إلى الهيئات الأممية، قضية عقارات الفرنسيين في الجزائر سواء تلك المعلنة كأملاك شاغرة مباشرة بعد الاستقلال أو تلك التي شملتها سياسة التأميم المنتهجة في الجزائر في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، أو تلك التي تخلى عنها أصحابها في آخر الستينيات وفي السبعينيات... وسواء استفاد أصحابها من التعويض من قبل الحكومة الجزائرية أو الفرنسية أو تلك التي ظلت محل نزاع حقيقي... فقد بلغ عدد القضايا المطروحة في هذا الإطار إلى غاية 2011 ما يقارب 900 قضية، كما أوردته ''الخبر'' في أعداد سابقة بناء على مصادر ذات صلة بالملف من الضفتين. لكن وزير الداخلية دحو ولد قابلية اختزلها في الندوة الصحفية التي نشطها أول أمس مع نظيره الفرنسي مانويل فالس، في حدود 20 حالة تجري معالجتها على مستوى المصالح القنصلية، ولا تستدعي أن ترفع إلى المستوى السياسي، ولا أن نجعل منها جبلا. ويأتي هذا التصريح مطابقا لما قاله سابقا القنصل العام الفرنسي في الجزائر، حيث طمأن الطرف الجزائري يأن هذا الملف الذي يكاد يتحول إلى محاولة للعودة إلى ما قبل الاستقلال، لا يتعلق في الحقيقة إلا بأملاك الفرنسيين الذين مكثوا في الجزائر لسنوات بعد الاستقلال، ثم غادروها ولم تسو ملفات عقاراتهم بعد لدى القضاء الجزائري، بمعنى أن الملف لا علاقة له بمرحلة الاستعمار، بل مرتبط بتسيير شؤون الجزائر المستقلة وفقا للقوانين الجزائرية المستقلة وفي هذه الحالة لا تخلو المحاكم الجزائرية من ملفات جزائريين عالقة لعقود طويلة. ومقابل التصريحات المخففة من حجم الملف، كان تصريح وزير الداخلية الفرنسي في نفس الندوة الصحفية مع ولد قابلية سياسيا، ويعطي أبعادا أكبر لقضية أملاك الفرنسيين في الجزائر، حيث أكد أنه طرح الملف على رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة شخصيا، وهو ما فعله وزير الخارجية لوران فابيوس قبله بأيام. وزاد مانويل فالس من ضبابية القضية حين ربط ملف حرية تنقل الأشخاص بضرورة ''توفر الإرادة السياسية''، ما يعني في القاموس السياسي ب''أعطيني نعطيك''.. فالحكومة الفرنسية تشدد الإجراءات على منح التأشيرة وتضغط من أجل مراجعة اتفاقية 68 وتحول استثماراتها إلى أسواق عديدة غير السوق الجزائرية... وتطالب الجزائر بتنازلات للعدول عن هذه السياسة، ومن بين التنازلات المطلوبة من الجزائر يوجد طبعا ملف عقارات الفرنسيين في بلادنا. وحتى في الجانب الجزائري، هناك تصريحات تناقض خطاب ولد قابلية المخفف، وآخرها استغراب رئيس المنظمة الوطنية للمجاهدين سعيد عبادو عبر أعمدة ''الخبر'' لامتلاك السفارة الفرنسية نصف مساحة بلدية حيدرة بالعاصمة. وإن كان سعيد عبادو متعود على الرد بالندية على الحملات الفرنسية ضد الجزائر من موقعه ممثل الأسرة الثورية الأول، فإن ما قاله وزير العدل السابق طيب بلعيز في الموضوع يعبر أكثر عن حجم الخلاف القائم بين باريس والجزائر. فقد اعتبر بلعيز المسألة مرتبطة ب''السيادة الوطنية'' وأن ''كل الأحكام القضائية التي صدرت لصالح المعمرين ألغيت''. وحتى الهيئات الأممية رفضت النظر في شكاوى المعمرين ضد السلطات الجزائرية والتي أقحمت فيها إسرائيل أيضا بحكم حمل الكثير من هؤلاء جنسيتها بعد استقلال الجزائر. وموازاة مع الخلاف السياسي الذي يغذي الجدل حول الملف، هناك تطورات عملية في عدد من الحالات، منها الاتفاق الذي توصلت إليه شركات التأمين الجزائرية مع نظيراتها الفرنسية التي تركت عقاراتها في الجزائر، حيث قبلت هذه الأخيرة أن تمنحها الشركات الجزائرية تعويضات رمزية مقابل دخولها إلى سوق التأمينات في الجزائر.