جمع الله سبحانه وتعالى في نبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم صفات الجمال والكمال البشري، وتألّقت روحه الطاهرة بعظيم الشّمائل والخِصال وكريم الصّفات والأفعال، حتّى أبهرت سيرته القريب والبعيد وتملّكت هيبتهُ العدوّ والصّديق. فمن سمات الكمال الّتي تحلّى بها صلّى الله عليه وسلّم خُلُقُ الرّحمة والرأفة بالغير، وهو المبعوث رحمة للعالمين، فقد وهبه الله قلبًا رحيمًا يرقّ للضعيف، ويحنّ على المسكين، ويعطف على الخَلق أجمعين، حتّى صارت الرّحمة له سجيّة، فشملت الصغير والكبير، والقريب والبعيد، والمؤمن والكافر، فنال بذلك رحمة الله تعالى، فالرّاحمون يرحمُهم الرّحمن. وقد تجلّت رحمته صلّى الله عليه وسلّم في عددٍ من المظاهر والمواقف، ومن تلك المواقف: رحمته بالأطفال: كان صلّى الله عليه وسلّم يعطف على الأطفال ويرقّ لهم، حتّى كان كالوالد لهم، يقبّلهم ويضمّهم ويلاعبهم ويحنّكهم بالتمر، كما فعل بعبد الله بن الزبير عند ولادته. رحمته بالنِّساء: لمّا كانت طبيعة النّساء الضعف وقلّة التحمّل، كانت العناية بهنّ أعظم والرّفق بهنّ أكثر. وقد تجلّى ذلك في خلقه وسيرته على أكمل وجه، فحثّ صلّى الله عليه وسلّم على رعاية البنات والإحسان إليهنّ، وكان يقول: ''مَن ولي من البنات شيئًا فأحسن إليهنّ كنّ له سترًا من النّار''، بل إنّه شدّد في الوصية بحق الزوجة والاهتمام بشؤونها فقال: ''ألا استوصوا بالنّساء خيرًا؛ فإنّهنّ عَوَان عندكم ليس تملكون منهنّ شيئًا غير ذلك، إلاّ أن يأتين بفاحشة مبينة''. رحمته بالضعفاء عمومًا: وكان صلّى الله عليه وسلّم يهتمّ بأمر الضعفاء والخدم، الّذين هم مظنّة وقوع الظلم عليهم، والاستيلاء على حقوقهم، وكان يقول في شأن الخد:: ''هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكُل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم من العمل ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم''.