جاء فيلم ''يما'' للمخرجة جميلة صحراوي، على شكل تراجيديا معاصرة بعمق إغريقي، يصوّر تطاحن الإخوة الأعداء وبلوغهم مرحلة الاقتتال. وإن رفضت المخرجة الكشف عن مكان القصة ولا عن دوافع الاقتتال، إلا أن الأجواء توحي إلى الجزائر وإلى سنوات العشرية السوداء. يروي فيلم ''يما'' الذي عرض، أمس، على الصحافة، بقاعة ابن زيدون في ديوان رياض الفتح، قصة مقاومة امرأة من أجل البقاء وتجاوز تراجيديا عائلية ترتسم معالمها، لما تفقد ابنها الأكبر (طارق)، عقب اغتياله من قبل جماعة مسلحة. وتحمل الأم وردية (تمثيل جميلة صحراوي) ابنها الأصغر علي (تمثيل علي زارف) مسؤولية الاغتيال، فتتوتر العلاقة بينهما، في الوقت الذي يفر هو من البيت، رفقة فتاة كان ينوي أخاه المغتال الزواج منها. وتبقى الأم تقاسي لوحدها ثقل المأساة، في بيت العائلة الواقع في قرية جبلية، رفقة حارس غادر الجماعات المسلحة (تمثيل سمير يحي)، بعد أن فقد ذراعه الأيسر، كلف بحراسة المرأة التي دفنت ابنها قرب البيت، وشرعت في استنهاض الحياة من حولها، عبر خدمة الأرض وسقيها من أجل تحويلها إلى خضرة معطاءة. وجاء سيناريو الفيلم الذي كتبته جميلة صحراوي، خاليا من الحوار تقريبا، ما أعطى الفيلم قدرة على الإيحاء والتعبير التراجيدي. كما أن خيار غياب السيناريو، يعبّر في الحقيقة عن التناحر الموجود بين الشخصيات، فهو معادل موضوعي حققت بواسطته جميلة صحراوي ما كانت تريده، وهو التوغل في المأساة ووضع السكين على الدمل، بمزيد من الرغبة في وصف أطوار التراجيديا على شكل وتيرة تصاعدية. تعيش الشخصيات الثلاثة للفيلم على وقع تبادل الحقد، فالأم وردية تحمّل ابنها ''علي'' مسؤولية موت أخيه ''طارق''، باعتباره زعيم الجماعة المسلحة التي قامت باغتياله. وفي المقابل، يحمّلها ابنها علي مسؤولية تركه وتفضيل ابنها البكر عليه، فقط لأنه ارتدى البذلة العسكرية. بينما يكنّ الحارس حقدا مماثلا لزعيم الجماعة المسلحة، ويحمّله مسؤولية فقدانه لذراعه الأيسر أثناء إحدى المعارك. ويفسر كل هذا الحقد غياب الحوار والتركيز على مشاهد الكاميرا ومشاهد الطبيعة الجميلة وملامح الممثلين، وهم يتطورون في اتجاهين مختلفين، اتجاه يوحي بإمكانية بروز مصالحة بين الأم وابنها لما يعود هذا الأخير من الجبل عقب وفاة زوجته، ومعه ابنه الرضيع الذي ولد حديثا، فتتكفل الأم بتربيته. يراود المشاهد خلال هذه اللقطة إحساس بإمكانية عودة التعايش بين الطرفين، بالأخص بعد نجاح الأم وقدرتها على تحويل البساتين المتروكة لحالها إلى أماكن تنبض بالخضرة، لكنه سرعان ما يختفي، فيترك المجال أمام مزيد من الحقد، بعد عودة زعيم الجماعة المسلحة من الجبل وهو جريح. يحاول علي التقرب من والدته، لكن هذه الأخيرة تصر على إبعاده، إلى أن تحدث فاجعة الخاتمة وتنغلق دائرة المأساة. فلا مكان للفرح والخاتمة السعيدة في فيلم تراجيدي أرادته جميلة صحراوي دون موسيقى تصويرية، وقالت عقب عرض الفيلم: ''رفضت وضع أي موسيقى بغرض تعميق الشعور بالمأساة، وتقديم الفيلم على شكل تراجيدي وقاس''. وعن سؤال حول غياب الحوار في الفيلم قالت المخرجة: ''الحوار عبارة عن ظاهرة تلفزيونية، أما السينما فتعني التعبير''. وأضافت أنها لم تقدم أي رسالة في الفيلم، واكتفت بتصوير قصة امرأة في وضعية البحث عن البقاء على قيد الحياة، بعد أن لحقت بها المأساة. فلم تجد أمامها سوى العمل من أجل استعادة الحياة. وبالفعل جاء الفيلم قويا، يشد المشاهد بعمقه وسيره التصاعدي نحو قمة المأساة، عبر قصة قاسية تقدم عالما لا يرحم. يذكر أن فيلم ''يما'' مثّل الجزائر في مهرجان البندقية (الموسترا) الذي انعقد في إيطاليا في سبتمبر الفارط.