''هل تقرأون، سيدي المدير شكاوينا، أم أننا نضيع وقتنا؟'' عبارة رصدناها بأحد سجلات الشكاوى التي اضطلعنا عليها عبر الإدارات العمومية في العاصمة، عبارة تترجم حالة اللاّثقة التي وصل إليها المواطن، بعدما باتت الشكوى غير قادرة على تمكين ذوي الحقوق من حقهم، حيث غالبا ما يواجه المواطن مواقف تتسبب في غليان أعصابه، ولا يجد الوسيلة التي يبدد بها غضبه، رغم أن قانون الإدارة يلزم كل مؤسسة بوضع ''سجل للشكاوى'' تحت تصرفه. كثيرا ما يطرح المترددون على الإدارات العمومية مشكل تدني مستوى الخدمات المقدمة، إلا أنهم لا يدوّنون تذمرهم واستهجانهم في سجلات الشكاوى، بسبب الجهل بوجود الوسيلة أو فقدان الثقة في فعاليتها. وبزيارتنا إلى بعض الإدارات العمومية، مراكز بريد، بنوك، مراكز شرطة ومصالح صحية وغيرها، للاضطلاع على دور هذا السجل في نسج العلاقة بين الزبون والمدير، اكتشفنا أن أغلب الإدارات لا تضع سجل المراجعات والشكاوى على مرمى يد المواطن، حيث اضطررنا إلى طلبه من موظفي كل المؤسسات التي قمنا بزيارتها، في الوقت الذي يفترض أن يوضع هذا السجل في المتناول بقاعة الاستقبال، وقد كانت المفاجأة كبيرة، عندما اكتشفنا بأحد مراكز البريد سجلا يعود تاريخه إلى سنة 2005، لم تحز الشكاوى على نصف صفحاته التي لا تتعدى 400 ورقة، وإذا سلمنا بعزوف المواطنين عن استعمال هذه الوسيلة التواصلية مع مدير المؤسسة، وانعدام ثقتهم في جدواها، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن لا يخطر ببال مواطن ما تدوين شكوى خلال عام كامل، على اعتبار أن مراكز البريد تستقبل أزيد من 200 زبون يوميا، بالموازاة مع مشاكل الاكتظاظ والسيولة التي تعرفها ذات المصالح نهاية كل شهر. بحث في فائدة ''سجل الشكاوى'' اضطررنا بإحدى المؤسسات في العاصمة، إلى الانتظار لمدة 20 دقيقة كاملة للحصول على سجل الشكاوى، وبعد ذهاب وإياب من طرف الموظفين، طرحت علينا موظفة سؤالا غريبا ''هل تم التكفل بمطلبك سيدتي، منذ متى وأنت تنتظرين الدور؟، بإمكاننا معالجة الأمر''، فيما أكد لنا موظف الاستقبال بأحد المراكز الصحية، أن المركز لم يخصص ''سجلا للشكاوى''، وعن سؤالنا عما إذا كان مطلوبا من طرف المواطنين قال ''فئة محدودة جدا تطلبه''. أما الإجراءات التي يقوم بها المدير في حال حضور المفتش أو طلبه من طرف المدير العام، فأكد محدثنا ''هم يهتمون بمعالجة الأمر ويحررون سجلات بأنفسهم، لأن المواطنين لا يحددون هوياتهم''. وقد اكتشفنا بعد تفحصنا لعدة سجلات أخرى، أن بعضها لم يجدد منذ سنة 2005، 2007، 2009، وهو ما يؤكد أن السجل لا يوضع في خدمة المواطن في الإدارات العمومية. ولدى اطلاعنا على مضمون بعض السجلات، وجدنا أن أغلب شكاوى المواطنين تدور حول مستوى الخدمات والعراقيل التي تواجه بعض الإجراءات، وقد اختلفت لغة التعبير بين كل مواطن وآخر على اختلاف مستوياتهم العلمية والثقافية والاجتماعية، حيث لم يمانع بعضهم توجيه مختلف أنواع الشتائم والعبارات النابية لمسؤولي المؤسسة، فيما فضل آخرون تسجيل حضورهم وإيصال انشغالاتهم بطرق محترمة، إلا أن فقدان الأمل في حل الوضع كان الحاضر الأكبر في كتاباتهم. وكتب أحد المواطنين: ''أتيت أمس حوالي الساعة العاشرة ليلا لمعالجة ورم أسفل الظهر، بسبب انتفاخ مفاجئ ولم يتم استقبالي من طرف الطبيبة بسبب أنني رجل وهي امرأة''. أما مواطنة أخرى فكتبت ''بعد طول انتظار بدأت الطبيبة الكشف على الساعة 20 ,13 د، وطلبت مني إجراء أشعة في حالة مستعجلة، إلا أن جهاز الأشعة معطل، عدت في اليوم الموالي وأجريت الأشعة، وإذا بالأطباء يطلبون مني العودة للطبيب الأول الذي فحصني. عدت في مساء اليوم الموالي، عندها خرجت الممرضتان وطلبتا مني انتظار الطبيب المناوب، ما هذا الإهمال واللامبالاة حتى في مصلحة طب الأسنان، يقولون، لا يوجد قطن، أين المراقبة من فضلكم؟''. واشتكت أخرى ''أعلمك، سيدي المدير، أن الوكالة التابعة لكم لا تقدم خدمات في المستوى، حيث إنني اضطررت للانتظار ساعة كاملة من أجل فتح حساب بالعملة الصعبة، بسبب أن العامل توجه للمسجد من أجل أداء الصلاة، وبعد عودته بكل ارتياح قال ''شكون هاذي اللي راهي تستنى فيا''، وقد كانت مفاجأتي كبيرة بعد أن قال لي إن فتح الحساب اكتمل''.