تغادر سنة 2012 ، دون أن تضيف للمشهد الثقافي شيء، بل احتفت فيها الموت بخطف أجمل زهور الجزائر التي قدمت لهذا الوطن الكثير، منها الراحلة وردة الجزائرية، التي هزّت فاجعة رحيلها كل الجزائريين بل كل الوطن العربي. كما كان لرحيل الفنانين شريف خدام، محمد بوليفة، رشيد فارس وأسطورة البدوي خليفي احمد الوقع الكثير في النفوس. ومن جانب آخر، غادرتنا تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية في صمت كمجرياتها وفعالياتها، كما غادر سيبويه الجزائر محمد فارح تاركا اللغة العربية في صمت. ولم تكن سنة 2012 إلا سنة الجدل مع قدوم إليسا احتفاء بخمسينية استقلال لم تسجل حضورها إلا على مستوى حفل لم يرق إلى الحدث، بينما تألقت السينما بفضل عدد من الأعمال، تبقى تقاوم القحط الثقافي، فيما يبقى الكتاب يلفظ أنفاسه، رغم كل عمليات الإنعاش، لتسجل مذكرات الشاذلي الرقم القياسي في الجزائر وتؤكد أحلام مستغانمي تفوّقها عربيا. سيرا على خطى فرانز فانون والسينما الملتزمة الجزائر تبقى وفية للطروحات المناهضة لعولمة ''الربيع العربي''
بقي المسار العام للثقافة الجزائرية خلال عام 2012، وفيا على المستوى الرسمي للالتزام بثقافة المقاومة، ورفض المنطق الليبرالي، عبر رفض فكرة التدخل الأجنبي، محاولة فرض أجندات سياسية من قبل قوى أجنبية، فاحتفظت وزارة الثقافة بمهرجان الجزائر الدولي للفيلم الملتزم، كما نظمت سلسلة من الندوات الفكرية حول فكر فرانز فانون، آخرها يوم 5 ديسمبر 2012، حيث تم وضع اللبنة الأولى لتأسيس جمعية تحمل اسمه. استضافت الجزائر مؤخرا، شخصيات ثقافية وسينمائية، ضمن مهرجان الجزائر الدولي للفيلم الملتزم، لا تزال تصر على الالتزام ورفض منطق العولمة القائم على السوق والاقتصاد الليبرالي، ورفض محاولات التدخل الأجنبي ضمن ما يسمى بمحاولة فرض ''الربيع الديمقراطي'' على الشعوب. وكانت وزارة الثقافة، قد نظمت سنة 2011 ملتقى دوليا حول فانون، أبرز المتدخلون من خلاله راهنية فكر صاحب ''المعذبون في الأرض'' وقدرته لأن يتحول إلى مرجعية جديدة لمناهضة توحش العولمة. يرتكز الفكر ''الفانوني'' كفكر نضالي، على قدرة شعوب العالم الثالث على فرض ذاتها، وصناعة تاريخها وتقرير مصيرها بنفسها. وعليه لا نندهش لما ندرك أن المثقفين العراقيين هم أكثر المثقفين العرب اهتماما بفرانز فانون اليوم، فقد وضعوه في سياق آني لتجاوز معضلة الاحتلال العراقي. ولد فانون في ''المارتينيك'' سنة 1925، لكنه اختار الجزائر، أو بالأحرى اختار فكرة الثورة والتحرر من العقلية الاستعمارية، على خلاف خيار مسقط رأسه الذي فضّل حلا اندماجيا في المنظومة الكولونيالية، بعد أستاذه إيمي سيزار. ليست ''المارتينيك'' هي وحدها التي لفظت فانون، فالمؤسسة الثقافية والجامعية الفرنسية رفضت بدورها أعماله، وتعمدت تهميشه. ففي عام 1952 أراد أن يناقش رسالة تخرج بعنوان ''بشرة سوداء.. قناع أبيض''، لكن إدارة الجامعة رفضتها، فنشرت في كتاب بمنشورات ''لوسوي''. إن الفكرة المهمة في مؤلفات فانون، وبالأخص كتاب ''بشرة سوداء.. قناع أبيض'' هي خيار الفكر الإنساني، ورفض رد عنصرية الرجل الأبيض بعنصرية الرجل الأسود، والسعي لإيجاد ''إنسان جديد''. لقد دافع فانون عن وضعيته كإنسان حر، ورفض الانغلاق في إثنية معينة أو جماعة اجتماعية ما. وهذا ما أدى به إلى رفض الانخراط في تيار ''الزنجية'' الذي أسّسه أستاذه إيمي سيزار وليبولد سيدار سينغور. إن فانون مهم اليوم، لأنه كان يعتقد أن الاستعمار (المتجدد)، باعتباره شاملاً، يسعى لتمزيق وتشويه الحياة الثقافية للشعب الخاضع للاستعمار. ويتحقق هذا المحوُ الثقافي بواسطة تكسير الواقع الوطني.