اختتمت أمس فعاليات الأيام الدراسية حول فرانز فانون بالمكتبة الوطنية (الحامة)، بالتطرّق إلى الأبعاد السوسيو- ثقافية والراهنة في فكر فانون، حيث تحدّث المشاركون عن ''لا إنسانية المؤسسة الكولونيالية والمغامرة الفاشلة للضمير الإنساني'' و''فانون، إفريقيا وسياسة الواقع'' وغيرها من المحاضرات التي أثرت أشغال تظاهرة ''فرانز فانون اليوم''. وأبرز الأستاذ محمد طيبي من جامعة وهران، أنّ ''لعبة الرمز تجتاح كل النصوص الفانونية''، حيث كانت للرجل ''قدرة المعاني التي تحمل في عمقها قوة السؤال ''، كما أشار إلى أنّ فانون في تحليله لنظرة الغرب إلى الشعوب الأخرى التي كان أكثرها تحت سيطرته ومعاملته لها جعلت المفكر - المناضل يتمرّد على الاستعمار وعلى السياق الفكري السائد في ذلك الزمن، وتمرّد أيضا - كما قال المحاضر - على نظريات وطرق النضال التقليدي من حيث المرجعية الإيديولوجية، حيث كان دوما يتحدّث عن ''الشعب كمصدر للتغير''، وعندما يريد التميز أو الدقة يقول ''الفلاحون أو العالم الريفي''، في إشارة إلى استعداد هؤلاء المقهورين للثورة في أيّة لحظة. وأبرز ''منظر'' الثورة الجزائرية ''أهمية الشعب في القيام بالثورة ونصرتها''. وأضاف المحاضر أنّ فانون كان يقترب في هذه النقطة المتعلقة بالفلاحين أو سكان الريف من محمد ديب في ''الحريق'' وأيضا من كاتب ياسين في حديثه عن ''روح الأجداد''، في إشارة إلى الاختلاف الثقافي بين المستعمر وثقافة الشعوب التي تحت سيطرته، وفي هذا الصدد يقول السيد طيبي أنّ موقف فانون تجاه المستعمر كان القطيعة مع الدعوة إلى قلب موازين حضارة مهيمنة وإعادة تواجد أمم بخصوصيتها الثقافية، ويعني بذلك، كما أوضح المحاضر، الأمة الإفريقية التي تنتمي إلى الحضارة الزنجية التي لها خصوصياتها. كما تطرق فانون أيضا إلى '' مفهوم العرب على أساس مفهوم الثقافة الوطنية''. موضّحا أنّ فانون لم يكن يقصد ''المفهوم الضيّق للوطنية التي وضعها ضمن الفضاءات الحضارية''، لذلك كان فانون ضدّ نظرة ''صدام الحضارات و''مناصر تكامل الثقافات''. وأضاف أنّ فانون تحدّث في هذا السياق وفي كتاب ''معذبو الأرض'' عن إعادة بناء هوية المستعمر وعن شرعية حضور جديد للأمم المهدّدة بضياع هويتها. وتطرّقت الأستاذة سلوى لوست بولبينة أستاذة فلسفة بجامعة باريس 7 في مداخلة بعنوان ''إلى جانب العرب، جزائر فرانز فانون''، إلى وقوف فرانز فانون مع الجزائريين الذين كان يسميهم في الأوّل بالعرب، كما أبرزت رد فعل الفرنسيين، لا سيما في الوسط الطبي والثقافي الفرنسي من هذا الموقف، الذي اعتبره البعض غير منطقي. وأضافت أنّ هذا ''الانحياز'' للعرب بالرغم من أنّه في بداية وصوله إلى الجزائر في الخمسينيات لم يكن يعرف الكثير عن دينهم وثقافتهم، إلاّ أنّ وضعية الاستعمار والمعاملات اللاإنسانية التي لاحظها من خلال ممارسته للطب في مستشفى البليدة للأمراض العقلية، حسم موقفه إلى جانب قضية الشعب. وأشارت المتحدثة إلى ما قام به فانون داخل تلك المؤسسة للتواصل مع المرضى، الذين يندرج إهمالهم وعزلهم ضمن أساليب المستعمر لتذليل الشعوب المستعمرة والتمادي في احتقارها بغية إقناعها بأنّها غير قادرة على المسؤولية، كما تطرقت إلى ضلوع بعض الأطباء الفرنسيين في إهانة وتعذيب الجزائريين. يذكر أنّ الذكرى الخمسين لوفاة فرانز فانون كانت من إحياء وزارة الثقافة والمركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ والانتروبولوجيا والتاريخ والمكتبة الوطنية والمركز الوطني للأرشيف. وللإشارة، فإنّ فرانز فانون من مواليد 1925 توفي سنة 1961 بعد إصابته بمرض سرطان الدم، هو طبيب في الأمراض العقلية وفيلسوف اجتماعي من مواليد فور دو فرانز بجزر المارتينيك، عرّف بنضاله من أجل الحرية وضد التمييز العنصري، عمل مديرا لقسم طب الأمراض العقلية في مستشفى البليدة، لينخرط بعدها في صفوف المطالبين باستقلال البلد عن فرنسا، وفي سنة 1955 انخرط في جبهة التحرير الوطني الجزائرية بصفة طبيب. غادر فانون سرّاً إلى تونس، وعمل طبيباً في مشفى منوبة، ومحرراً في صحيفة ''المجاهد'' الناطقة باسم الجبهة، كما تولى مهمات تنظيمية مباشرة، وأخرى دبلوماسية وعسكرية ذات حساسية فائقة، وفي 1960 صار سفير الحكومة الجزائرية المؤقتة في غانا. لفانون العديد من الأعمال الأدبية من بينها ''المعذبون في الأرض''، ''جلد أسود قناع أبيض''، ''لأجل الثورة الإفريقية'' و''العام الخامس للثورة الجزائرية".