إنّ المرض ابتلاء يصيب به الله عباده المؤمنين ليطهّرهم من الذنوب، وحال المؤمن مع المرض دائرة بين الصّبر والرِّضى، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: ''عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كلُّه خير، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك إلاّ للمؤمن''، أخرجه مسلم. وقال صلّى الله عليه وسلّم: ''أشدّ النّاس بلاء الأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل''، رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبّان وغيره، وهو حديث صحيح. أمّا بالنسبة لصلاة المريض، فإنّ له أن يجمع بين الظهرين وبين العشاءين، رفعًا للمشقّة الحاصلة بتركه. فعن ابن عبّاس، رضي الله عنه، قال: ''جمع رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة، في غير خوف ولا مطر''، وفي لفظ: ''صلّى رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا، في غير خوف ولا سفر''. وسُئل ابن عبّاس: لِمَ فعل ذلك؟ قال: ''أراد أن لا يحرج أمّته''، وفي لفظ ''أراد أن لا يحرج أحدًا من أمّته''، رواه مسلم. وعن ابن عبّاس، رضي الله عنهما، قال: ''صلّيتُ مع رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، بالمدينة ثمانيًا جميعًا، وسبعًا جميعًا، الظهر والعصر، والمغرب والعشاء''، أخرجه البخاري ومسلم. قال ابن حجر رحمه الله: ''فانتفى أن يكون الجمع المذكور: للخوف أو السّفر أو المطر، وجوّز بعض العلماء أن يكون المذكور للمرض''، انظر فتح الباري. فذهب أهل العلم إلى أنّ النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، جمع بين الصّلوات المذكورة لمشقّة عارضة ذلك اليوم، من مرض غالب أو برد شديد ونحو ذلك... ويدل على ذلك قول ابن عبّاس، رضي الله عنه، لمّا سئل عن هذا الجمع، قال: ''لئلاّ يحرج أمّته''. وقد ثبت أنّ النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم ''أمر حمنة بنت جحش، لمّا كانت مستحاضة، بتأخير الظهر وتعجيل العشاء''، رواه أبو داود، وهو حديث حسن. وعليه، فإنّ المرض الذي يلحق صاحبه به بتأدية كلّ صلاة في وقتها مشقّة وضعفًا يبيح الجمع، والمريض مخيّر بين جمع التّقديم والتّأخير، المهم أن يحافظ على صلواته ويؤدّيها كما أمر الله، وعلى هدي رسوله، صلّى الله عليه وسلّم. فالصّلاة عماد الدّين، وعلامة استقامة العبد وتديّنه.