طغت الأحداث السياسية الملتهبة التي يشهدها الشارع السياسي المصري على فعاليات وأجواء الطبعة الرابعة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، تحت شعار ''حوار لا صدام''، وهو الشعار الذي جمع فرقاء السياسة تحت قبّة المعرض بحثا عن التوافق، من خلال مناظرات سياسية ساخنة ولقاءات فكرية ومبارزات شعرية وفقرات فنية متنوّعة، امتزجت فيها الثقافة والسياسة لتحكي واقع المواطن العربي وتطلعاته. لا حديث بين أروقة معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي تتواصل فعالياته إلى غاية الخامس من شهر فيفري المقبل، سوى عن ثورات الربيع العربي التي مسّت العديد من الدول، وحالة الاحتقان التي يعيشها المواطن العربي، الرافض للسلطة الأحادية والقبضة الحديدية التي تحكم بها المنطقة العربية، وتخوّفهم من وصول تيار الإسلام السياسي إلى سدّة الحكم في الدول التي أسقطت أنظمتها الديكتاتورية. فأينما تولي وجهك، تقابلك شعارات ثورية تندّد بالقمع والمحسوبية والفقر وتهميش دور المواطن البسيط المتطلع لحياة كريمة، حيث تم التعريف بثورات الربيع العربي من خلال رسومات طبعت على أسوار المعرض، والتي بيّنت مدى جسارة الشعوب العربية ونضالها المستميت من أجل نيل الحرية. ورغم تخوّف وترقب المواطن المصري لفعاليات الذكرى الثانية للثورة المصرية، والفوضى التي تهدّد بها رابطة مشجعي النادي الأهلي ''الألتراس'' التي تطالب بالقصاص العادل لشهداء مجزرة ملعب بور سعيد، إلا أن الحضور كان متوسطا في أول أيام هذه التظاهرة الثقافية الضخمة، زائرين من مختلف الجنسيات العربية والأجنبية، سطروا برنامجهم لحضور المعرض الذي اختار ليبيا ضيف شرف، بمشاركة 25 دولة و735 ناشر، ووسط حضور أمني مكثّف وتفتيش ذاتي من قبل أعوان الأمن، ما أثار امتعاض العديد من الزائرين الذين شعروا بنوع من الارتباك أثناء مرورهم من البوّابات الرئيسية للمعرض. روّاد المعرض يعلقون زيارتهم إلى حين الانتهاء من تظاهرات ذكرى الثورة المصرية تخوّفا من حدوث اشتباكات وسيناريو دموي متوقع تحدّث عنه رجال الساسة، لما سيعقب إحياء الذكرى الثانية للثورة المصرية والنطق بالحكم في قضية مذبحة بور سعيد، قرّر العديد من روّاد المعرض الذين قابلتهم ''الخبر''، تعليق زيارتهم إلى حين وضوح المشهد السياسي، وهو ما أكدته لنا السيدة نهى، ربة بيت، حيث قالت: ''لقد أتينا منذ الصباح الباكر حتى يتسنى لنا التجوّل بين أروقة المعرض، لأننا نشعر بذعر شديد من الأحداث التي ستعقب مظاهرات الذكرى الثانية للثورة والألتراس. وعليه، قرّرنا تعليق زيارتنا للمعرض، مؤقتا، حتى تهدأ الأمور، وتمرّ المظاهرات بسلام إن شاء الله''. وهو الرأي نفسه الذي أيّده العديد من الزوّار الذين قابلناهم. وخلال الجولة التي قادت ''الخبر'' إلى معرض القاهرة الدولي للكتاب بقصر المؤتمرات بمدينة نصر، لاحظنا إقبالا كبيرا على الكتب الدينية والأطفال والطبخ. وكان جناح المملكة العربية السعودية من أكثر الأجنحة التي تعجّ بالزائرين الذين كان الكتاب الديني وجهتهم الأولى، فيما تزيّنت مكتبات الجناح الليبي بمجموعات كبيرة من الكتب التي تروي الأيام الأخيرة للقذافي وعائلته، وشهادات حيّة لمعتقلين قضوا سنوات من حياتهم في معتقلات القذافي. وزارة الثقافة تقلّب في دفاترها القديمة لعرضها وفي المبنى الرئيسي للمعرض، يوجد جناح وزارة الثقافة، اليتيم والفقير بمحتوياته، إذ يبدو أن دائرة الكتاب على مستوى بيت تومي، غافلة عن الإنتاج أو الاهتمام بنشر كتب جديدة، فكم من الأسماء الجزائرية الكبيرة والشابة التي تستحق الالتفاتة لأقلامها التي رسمت الأدب الجزائري، ووضعت له مكانة مرموقة في خارطة الأدب العربي والأجنبي. لكن الواقع كان صادما، فرفوف مكتبة الجناح الرسمي للوزارة كانت شبه خاوية، إلا من بعض الكتب التي طبعت في إطار تظاهرتي ''الجزائر عاصمة الثقافة العربية'' و''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية''، ومؤلفين للكاتب الجزائري الدكتور محي الدين عميمور، وهما ''أنا وهو وهم'' و''نحن والعقيد.. صعود وسقوط القذافي''. ليتأكد لنا، جليا، بأن الإنتاج الأدبي والثقافي بالجزائر مرهون بالفعاليات والتظاهرات التي تحتضنها البلاد، وهو واقع مؤسف ومخزٍ للثقافة الجزائرية. فهل مكتوب علينا أن ننتظر هكذا تظاهرات لنرى إبداعات ومنتجات جزائرية؟ وعلى الجانب الآخر من المعرض، التقينا بالسيد رضا رحموني، مدير دار ''عالم المعرفة'' للنشر والتوزيع الذي يشارك لأول مرّة في المعرض، بأزيد من 200 عنوان، تتطرّق لتاريخ وحضارة الجزائر العريقة وأعلامها الذين سجلوا أسماءهم بحروف من ذهب في التاريخ العربي. وأكد رحموني، في تصريح ل''الخبر''، أن الدار تسعى للتعريف بالعلماء الجزائريين وإنجازاتهم، على غرار الدكتور بلقاسم سعد الله، الدكتور سعيدوني، يحيى بوعزيز، عبد الرحمن الثعالبي ومهدي بوعبدلي، مضيفا: ''نحن مهتمون بالتراث الجزائري والأقلام الجزائرية، ومختصون في كل ما يتعلق بتاريخ الجزائر، وقد ارتأينا المشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الجديدة، حتى نقرّب القارئ العربي، وبالأخص منطقة الشرق الأوسط، بأعلام الجزائر، من خلال سلسلة من الكتب الممتازة في مجالها، والمتخصصة للبحث والباحثين، لاسيما أن هذه الكتب غير متوفرة في السوق العربية، وأهم زبون بالنسبة لنا المكتبات والمؤسسات العلمية''.