يحتفل حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية اليوم السبت، بعيد ميلاده ال24 برئيس جديد متمثل في شخص محسن بلعباس. هذا الأخير التقته ''الخبر'' بالمناسبة وكان لها هذا الحوار حول القضايا الساخنة في الساحة السياسية وكذا عن تجربته الجديدة على رأس الأرسيدي. السيد محسن بلعباس، ستكملون السنة الأولى على رأس الأرسيدي بعد أيام أو أسابيع قليلة. كيف تقيّمون هذه المسيرة؟ سأختتم سنتي الأولى على رأس الأرسيدي بعد شهر من الآن. سنة كانت صعبة طبعا بالنظر إلى الأحداث الكثيرة التي تخللتها، بدءا بالانتخابات التشريعية والمحلية التي رأينا فيها كيف استعملت مرة أخرى السلطة التزوير كنمط انتخابي والأرسيدي قاطع التشريعيات وشارك في المحليات، حيث استطاع أن يحقق نتائج ليس سهلا تحقيقها من طرف حزب منفي من الإذاعة والتلفزيون وحتى الصحافة المكتوبة. العديد من المتتبعين للشأن السياسي يربطون انسحاب سعيد سعدي من قيادة الأرسيدي بسلسلة الانسحابات أو الاستقالات والإقالات التي رافقت هذا القرار في مختلف الأحزاب، ما رأيكم ؟ لا يمكن مقارنة قرار سعيد سعدي بعدم الترشح مجددا لرئاسة الأرسيدي بمناسبة انعقاد مؤتمر للحزب، بالآخرين الذين تعرضوا لعمليات تصحيحية أو تلقوا تعليمات بالانسحاب أو انسحبوا بسبب عامل السن... سعيد سعدي ما زال سنه يسمح له بمواصلة مهمته وكان هناك إلحاح من قبل المؤتمرين لإعادة ترشيحه. ورثتم قيادة حزب لعب دورا كبيرا خلال كل المراحل والأزمات السياسية التي عاشتها البلاد منذ إقرار التعددية. كيف تتصورون دوركم في المستقبل، خاصة في ظل الأحداث الجارية في محيطنا الجهوي والتي يمكن وصفها بالمنعرج؟ سيواصل الأرسيدي لعب دوره التقليدي المتمثل في تقديم اقتراحات وبدائل سياسية ومحاولة جمع أكبر قدر ممكن من القوى السياسية والفاعلين في المجتمع المدني حول أفكار ومشاريع سياسية. لكن لن نتفاوض أبدا على كوطات ومناصب مسؤولية على مختلف مستويات السلطة. نحن نؤمن أن خلاص الجزائر يمر عبر انتخابات حرة، وإذا غابت الانتخابات الحرة، هذا لا يعطينا الحق للتفاوض مع أصحاب القرار حول حصة معينة في السلطة، بل دورنا هو تحسيس أكبر عدد ممكن من المواطنين والفاعلين السياسيين لفرض تغيير الأوضاع. وكيف تقرأون التطورات الأمنية الحاصلة عبر حدودنا والتغييرات التي تشهدها الخارطة الدولية؟ هذا يدعم طروحات الأرسيدي منذ فترة. كنا دائما ندعو للخروج من التبعية للمحروقات وأن تلعب الجزائر دورها كقوة جهوية من خلال سياسة جوارية مع دول شمال إفريقيا. وقلنا بأن تسيير بلد بهذه الشساعة يتطلب لامركزية معمّقة في القرار... وطالبنا بمكافحة الرشوة وانتخابات حرة، وكل هذه المطالب الآن استرجعتها شعوب المنطقة التي شرعت في تغيير أوضاعها. أما نحن فللأسف لم نعرف أو لم نرغب في مباشرة إصلاحات حقيقية، والمؤسف أكثر أن بلادنا منذ ال 5 جانفي 2011 ، حيث كنا السباقين للمطالبة بالتغيير، تعقدت أوضاعها وأصبحت علاقاتنا مع جيراننا متدهورة، إذ أصبحت لدينا مشاكل مع تونس ومع موريتانيا مثلما رأيناه في قضية وكالة الأنباء التي نشرت أخبار الإرهابيين في تيفنتورين ولدينا مشاكل مع المغرب.. ولدينا مشاكل مع الماليين منذ فترة أيضا، فمن غير المعقول أن نترك الجماعات الإرهابية تفعل ما شاءت في شمال مالي لسنوات. السؤال المطروح بخصوص أزمة مالي ليس أن نكون مع أو ضد التدخل العسكري اليوم، بل السؤال هو هل وجود الجماعات الإرهابية هناك يشكّل خطر علينا أم لا؟ وعندما نجيب على هذا السؤال نحدد استراتيجية العمل، سواء بمكافحة هذه الجماعات أو مساعدة الدولة المالية. نحن نعلم أنها غير قادرة على مكافحتها أو نسعى لحل سياسي للأزمة... أما اليوم فلا معنى للقول أننا مع أو ضد التدخل العسكري. الجزائر لها دبلوماسيين مخطوفين في شمال مالي، لماذا لا ترسل قوة خاصة لتحريرهم؟ تقصد أن الجزائر كان عليها أن تلعب الدور الذي تلعبه فرنسا الآن في شمال مالي منذ سنوات؟ كان على الجزائر أن لا تبقى مكتوفة الأيدي، أن تفعل شيئا وتستبق الأحداث. واليوم من غير معقول أن يناقش البرلمان هذه القضية ولا تفتح نقاشا وطنيا حول الموضوع، من غير المعقول أن نبقي الشعب الجزائري بعيدا عن الملفات الدولية... برأيكم هل بمقدور الجزائر منع أو، على الأقل، الحد من نشاط الجماعات الإرهابية في شمال مالي؟ طبعا بما أنها كانت على علم بوجود هذه الجماعات ومهما كانت جنسية الإرهابيين هم يهددون أمننا الداخلي. يبقى شكل الدور الذي تلعبه الجزائر موضوع للنقاش والتشاور مع الماليين. وأنا مقتنع أن القوة الوحيدة في المنطقة القادرة على مكافحة الإرهاب هي الجزائر، لكن للأسف سلطاتنا ليست واعية بأنها قوة جهوية وأخطأت عندما قدّرت بأن الحوار مع أنصار الدين سيعيق موقف حركة تحرير الأزواد المطالب بالاستقلال. ومن الخطأ أيضا الاعتقاد أن الإبقاء على مالي كما كانت عليه قبل الأزمة يخدم مصالح الجزائر لأن الأزواد في هذه الحالة سيساعدون الجماعات الإرهابية. المشكل هو معرفة لماذا تطالب حركة الأزواد بالاستقلال، والجواب أن الجيش المالي يمارس قمعا شديدا في هذه المنطقة ومنذ فترة. وعليه لا بد من إيجاد حل سياسي إما بإقامة نظام فيدرالي أو إرساء جهوية لتسيير هذا البلد... لكن المؤكد أن الدولة المالية المركزية لن تستطيع من الآن فصاعدا ضمان الأمن والاستقرار في الشمال. نعود إلى قضية وكالة الأنباء الموريتانية، حيث تحدث الوزير الأول عبد المالك سلال عن تواطئها مع القاعدة. من الزاوية المهنية البحتة وكصحفيين نعتبر هذا يدخل ضمن السبق الصحفي وهو أمر مسموح به لكل وسيلة إعلامية. هل تعتقدون أن السلطات الموريتانية لها علاقة بهذا الملف؟ بالطبع السلطات الموريتانية لها علاقة. لسنا بلهاء لنصدق أن موريتانيا تملك قطبا إعلاميا كبيرا. وعندما نعرف طبيعة النظام الموريتاني نفهم أن هذه الوكالة لم تتصرف من باب السبق الصحفي فقط. ولو لم تكن هناك مشاكل بين السلطات الجزائرية ونظيراتها الموريتانية لتدخلت هذه الأخيرة لتوقيف نشر أخبار القاعدة من طرف وسائلها الإعلامية. قضية جهوية التسيير أو النظام الفيدرالي، هو حل مقترح على كل دول المنطقة لتجاوز أزماتها، وهو ما تعترض عليه السلطات الجزائرية وجعلها ترفض الانخراط في معالجة الأزمة المالية وفق الأجندة الدولية. ألا تعتقدون أن الأرسيدي هنا يسير عكس اتجاه الرياح مع المواقف الرسمية الجزائرية؟ العكس تماما الأرسيدي فهم منذ مدة أن تسيير بلد بهذه المساحة يتطلب مؤسسات منتخبة عبر عدد من جهات الوطن. وقد قدّمنا مشروعا واضحا في هذا المجال بمناسبة مؤتمرنا الأخير وقدمنا النموذج الاسباني أين تتمتع هذه المؤسسات الجهوية بصلاحيات واسعة جدا. ولكن المشكل هنا ليس في نظام جهوية التسيير بل طبيعة النظام منذ الاستقلال، حيث لم يتوقف منذ 1962 على الاعتقاد أن هناك أعداء للجزائر من بين الجزائريين. أحيانا القبائل وأحيانا أخرى التوارف وأحيانا أخرى الشاوية.. وإذا استمرينا على هذا الاعتقاد ستصبح هناك مشاكل حقيقية. عندما نشرك كل المواطنين في اتخاذ القرار وفي توزيع الثروة لن تقع أي مشاكل، أما طريقة التسيير الحالية والتي جعلت سكان الجنوب مثلا يدفعون سعر تذكرة الطائرة من إليزي إلى العاصمة بما يعادل سعر التذكرة من إليزي إلى باريس، وجعلت هذه الولاية محرومة من مستشفى جامعي... فهذا واقع غير مقبول. نحن في الأرسيدي لا ندعي أن الحلول التي نقترحها هي وحدها التي يجب اعتمادها، بل هناك اقتراحات وحلول أخرى، لكن علينا أن نتجاوز هذه العقلية التي تعتبر الجزائريين أعداء لبلادهم. حتى في التقارير الدولية والهيئات الأممية لم نعد نتحدث عن الدول كل واحدة على حدى، بل نتحدث عن جهات من العالم ونحن مثلا ننتمي إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. أليس هذا تمهيدا لإعادة رسم خارطة المنطقة ككل ولسنا مدعوين للتغيير السياسي من أجل حل مشاكل كل بلد فقط؟ مشكلتنا أننا نقضي وقتنا في الحديث عن العدو الأجنبي والمصالح الفرنسية والأمريكية واليابانية... هذه الدول العظمى لها مصالح أكيد، لكنها مصالح متناقضة وأحيانا مصالح الدولة الواحدة متناقضة، ولذلك نر مواقفها تتطور وتتناقض فيما بين هذه الدول. وبالتالي علينا نحن أن نحدد مصالحنا ونعرف كيف نحافظ عليها وسط هذه التناقضات. ما هي مصالحنا نحن؟ وكيف يمكننا أن نلعب دور القوة الجهوية؟ لا ندري طبعا ولا نعرف مواقفنا الرسمية بالضبط اتجاه القضايا الدولية ولا نعرف استراتيجيتنا لذلك... نعود الآن إلى موضوع التعديل الدستوري، حيث استقبل الوزير الأول العديد من الأحزاب لاستشارتها. هل تمت دعوتكم لهذه المشاورات، أم لم يتم ذلك بعد؟ لا لم تتم دعوتنا ولن تتم أبدا. نحن لن نشارك في لقاءات غير علنية ولا نعتقد أن السلطة تستعد فعلا لتعديل دستوري حقيقي. ومرة أخرى أستغرب كيف نحضر تعديل الدستور دون أن نعرف حتى موعده ولا نعرف إن كان سيحدث عبر استفتاء شعبي أو عن طريق البرلمان... التعديل الدستوري الحقيقي يتطلب تحضيره وقتا طويلا ونقاشا وطنيا واسعا. لا يجب أن ننسى أن بوتفليقة أعلن تعديل الدستور تحت ضغط الشارع، إذن هذا التعديل هو مطلب شعبي. ولذلك نحن في الأرسيدي بصدد العمل منذ أسابيع على تحضير مشروع دستوري سنعرضه على مجموعة من الشركاء السياسيين والاجتماعيين للنقاش قريبا. لا ندري لحد الساعة ما هي الطريقة التي سنعتمدها لتنظيم هذا النقاش، لكننا في كل الأحوال لا ننتظر مشروع السلطة في هذا المجال. هل لنا أن نعرف الخطوط العريضة لهذا المشروع؟ النقاش ما زال جاريا داخل هياكل الحزب حول جملة من الاقتراحات، منها قضية توزيع السلطات، هل نقترح النموذج الإيطالي حيث تكون صلاحيات رئيس الحكومة أكبر من رئيس الجمهورية أو النموذج الذي كان معتمدا عندنا في دستور 96 لكن بتوسيع صلاحيات رئيس الحكومة أكثر. كما يجري النقاش حول مدة العهدة الرئاسية هل تكون بأربع سنوات أو خمس... وماذا عن رئاسيات 2014، هل بدأتم التحضير لها؟ كل شيء مهمّ في بلادنا ما عدا الانتخابات. النقاش اليوم هو من يستطيع أن يعوض بوتفليقة ومن تتوفر فيه شروط الترشح؟... بينما الانتخابات هي التي يفترض أن تجيب على هذه التساؤلات.