ووري، أمس، جثمان الراحل المجاهد عبد الرزاق بوحارة، عضو مجلس الأمة وعضو اللجنة المركزية للأفالان، التراب، في تشييع جنائزي ''سريع جدا'' فوّت على العشرات من رفاقه حضور اللحظة، بينما الإجماع وسط المشيعين كان يفيد بأن الرجل لم يوف حقه حتى في مماته. اتخذ الفقيد عبد الرزاق بوحارة، مربعا في الجهة اليمنى من مقبرة العاليةبالجزائر العاصمة، مرقدا له، متحاشيا مربع الشهداء الذي التأمت فيه الشخصيات ذات ''الشارة'' الرئاسية، لكنه لم يكن بعيدا عنها، تماما كما كان حيا.. خارج السلطة ''الحاكمة'' لكنه قريب منها. الشارة الرئاسية فقط حرمت بوحارة، العسكري والسياسي، والدبلوماسي من مجانبة مرقدي الراحلين الشاذلي بن جديد وأحمد بن بلة، اللذين التحقا بجوار ربهما في سنة واحدة، واتخذا من مربع الشهداء صفا واحدا، وكذلك الشارة الرئاسية وحدها جعلت بوحارة يتخذ من صف أبو بكر بلقايد، وزير الداخلية الأسبق في حكومة قاصدي مرباح، وزعيم ''حمس'' محفوظ نحناح، ووردة الجزائرية، مكانا للراحة الأبدية له. وكأن لمراقد الموت رتب كرتب العسكر والساسة، لذلك يفرق حفارو القبور بين الرئيس ورئيس الحكومة والوزير والسيناتور وما دونهم، فالميت بالنسبة لهم على رتبته ساعة رحيله، أو هكذا يوحى إليه دوما عندما يهم بحفر القبور.. لكن هل تستوعب رتبة سيناتور أو وزير أو ''عضو لجنة مركزية'' قامة عبد الرزاق بوحارة الذي يتردد أنه كان من قياد جيش الحدود وصولا إلى حكم البلاد، أولم تغير قيادته مجرى الحياة في الجزائر؟ يوم تشييع الفقيد بوحارة كان أشبه بكثير من يوم تشييع الرئيس الراحل أحمد بن بلة، العام الماضي، حتى أن الخيم التي استنجدت بها إدارة مقبرة العالية لتقي المشيعين أمطارا تتهاطل حينها، هي نفسها التي نصبت أمس، مع فارق يكمن في أن خيم بن بلة لم تكن لتصمد أمام جمع غفير جدا من كبار الشخصيات في الدولة، الساسة والعسكر وعلى رأسهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بينما خيم بوحارة بدت مستوعبة جدا اللاجئين إليها من حضور لم يكن حجمه في مستوى توقعات من يعرف سي عبد الرزاق، الثوري والسياسي والدبلوماسي، في مشهد يجعل من تابعه في غنى عن التساؤل حيال السرعة التي تم بها تشييع الراحل، وحالت دون حضور الكثير من معارف الفقيد ومن مناضلي حزبه الأفالان والالتحاق بالمقبرة، بينما وصل بعضهم المكان وصفارات الشرطة لفسح الطريق أمام الشخصيات لمغادرة المكان كانت قد دوت، فقد ووري سي عبد الرزاق الثرى تحت الأمطار، وتحت مكبرات صوت أذان الظهر، بما أغضب الكثيرين ممن تأخروا وألقوا باللوم على منظمي الجنازة الذين لم يعلنوا عن ساعة دفنه. من ''قمة'' 79 سنة، ولج سي عبد الرزاق قبره، واضعا حدا لدورة حياة، كما سماها رفيقه في الكفاح الدا الحسين لما أعلن انسحابه من الأفافاس. وعمر ب79 سنة لم يكن في بلد كبلدنا كافيا لتعريف الرجل للأجيال التي تلته حق المعرفة، لذلك كان الحضور من المواطنين يعد على الأصابع.. لقد غيب بوحارة وركن به في الزوايا بعيدا عن الكاميرات، ولم تشفع له قيادة فيالق الجزائر في الحرب ضد إسرائيل عام 67 بأمر من الراحل بومدين، في تبوؤ الصفوف الأولى في السلطة، حتى أن الرجل استغرب كيف أن الرئيس بوتفليقة ذكره أمام جمع غفير من المواطنين في سكيكدة لما خاطبهم في تجمع الدعاية لقانون الوئام المدني، قال بوتفليقة للحضور ''اسألوا سي بوحارة عن الشمال القسنطيني''، بينما خانت ''الدموع'' سي عبد الرزاق، لالتفاتة بوتفليقة بعدما كان يظن أن الرئيس يصنفه في خانة ''المغضوب عليهم''، وفي أول انتخابات لمجلس الأمة بعد ذلك، عينه سيناتورا. وكما فرقت الموت بوحارة عن أهله وعن الجزائر وعن الأفالان، فقد فرقت كذلك موته بين الأحياء، في ثنايا القبور، فمكث عبد الله جاب الله بعيدا عن وزير الداخلية السابق يزيد زرهوني الذي يقول إنه السبب في رحيله من حزبه السابق ''حركة الإصلاح الوطني''، وابتعد عبد العزيز زياري عن بلخادم، رغم أن اللجنة المركزية استجابت لرغبته بإزاحة ''عبد العزيز'' من قمة الحزب الذي ظل فيه بوحارة يتفرج من بعيد، صامتا متأملا، حتى أراد المركزيون الاستنجاد به لإدارة الحزب في أوج أزمته، فاختاره الموت ورحّله كرجل إجماع، لا رجل فرقة، ومن بعيد كان يتراءى خالد نزار، الجنرال المتقاعد، محافظا على برنوسه ''الجنائزي'' الأزرق الداكن، رافضا أن يبدي قولا في الراحل بوحارة، كرفضه التصريح خلال جنازة الشاذلي بن جديد العام الماضي، بينما قضي أمر التشييع وكان بلخادم ببرنوسه الأبيض أول مغادري العالية.. حضر مراسم تشييع جثمان الفقيد رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، ورئيس المجلس الشعبي الوطني، العربي ولد خليفة، ورئيس المجلس الدستوري، الطيب بلعيز، والوزير الأول، عبد المالك سلال، وشقيق الرئيس، سعيد بوتفليقة، وقائد أركان الجيش الشعبي الوطني، قايد صالح، والجنرال المتقاعد عطايلية، وعدد من الوزراء وضباط سامون في الجيش الوطني الشعبي، وقد ألقى رفيق الفقيد المجاهد والوزير السابق عبد الغني العقبي كلمة تأبينية، ذكّر فيها بالمناقب والخصال الحميدة التي كان يتحلى بها المرحوم عبد الرزاق بوحارة، وكذا نضاله أثناء الثورة التحريرية وجهوده داخل الجيش الوطني الشعبي بعد الاستقلال.