أرسل اللّه نَبِيَّه الكريم محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم إلى العالمين بشيرًا ونذيرًا، وأَيَّده بالمعجزات الكثيرة الدّالة على صدقه، ومن هذه المعجزات أُمِّيَّته، فكونه، عليه الصّلاة والسّلام، أميًّا لا يقرأ ولا يكتب من أعظم الدلائل على نبوَّته، فهو الّذي لم يقرأ كتابًا، ولم يكتب سطرًا، ولم يقل شعرًا، ولم يرتجل نثرًا، يأتي بأعظم دين، وبالقرآن الكريم معجزته الخالدة، الذي تحدَّى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم العرب، وهم أرباب الفصاحة والبلاغة والبيان، فعجزوا أن يأتوا بمثله. قال اللّه تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} البقرة:32، وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} يونس:83، ومن ثمّ فأمّيته صلّى اللّه عليه وسلّم كمالٌ في حَقِه، ومعجزة من معجزاته الشّريفة، مع إنها في غيره وصف نقصان. ولقد اقتضت حكمة اللّه تعالى أن يكون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أمّيًّا، ولعلّ الحكمة من ذلك أنّه، صلوات اللّه وسلامه عليه، لو كان يحسن القراءة والكتابة لوجد الكفار في ذلك منفذًا للطعن في نبوته، أو الريبة برسالته، وقد جاء تصوير هذا المعنى في قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} العنكبوت:48