يوجد الوزير الأول، عبد المالك سلال، في وضعية غير مريحة، بعد أقل من سنة من توليه مهامه، والسبب أن مجيء وزير الموارد المائية سابقا إلى قصر الدكتور سعدان كان هدفه الأول هو تهدئة الجبهة الاجتماعية وإعطاء انفتاح نسبي للساحة السياسية قصد توفير الأجواء المناسبة للعهدة الرابعة. مهمة سلال كانت بادية منذ الوهلة الأولى في غاية الصعوبة، خاصة أن الحكومة لم تعرف تغييرا كبيرا في تشكيلتها، واقتصر ذلك على إبعاد الوزراء الأكثر إثارة للاحتجاجات، ولم يحمل التغيير في المقابل أسماء وزارية ذات وزن في الساحة السياسية، بل تمت ترقية وجوه غير معروفة كثيرا لدى الرأي العام الوطني، وحوّل آخرون من مناصب كانوا يشغلونها في أجهزة الدولة إلى الحكومة... والوزير الأول الجديد نفسه لم يغادر الجهاز التنفيذي منذ أن التحق به لأول مرة سنة .98 وترجح مصادر مطلعة أن تكون من وراء الخرجات الإعلامية الأخيرة لوزير المالية الأسبق عبد اللطيف بن آشنهو، السعي للتموقع بغية خلافة سلال بمجرد أن تتوفر الظروف لإجراء تغيير حكومي ثان منذ الانتخابات التشريعية في الصائفة الماضية. لكن هناك عائقا كبيرا يقف في وجه طموحات بن آشنهو، وهو أن الأجواء المكهربة التي تعيشها الساحة السياسية والاجتماعية في البلاد أثبتت أنها ليست مستعدة للانطفاء بمجرد تغيير وزير ما، سواء كان وزيرا أول أو وزيرا على قطاع من القطاعات الحساسة. بل هذه الأجواء تستدعي قرارات سياسية في مستوى المطالب التي يطرحها الجزائريون في مختلف مجالات حياتهم، خاصة مطالبتهم بتوفير الأمن والعمل لأبنائهم... وإن كان سلال قد صب الزيت على النار بتصريحاته غير الموفقة، ومن ثمة ضيع العديد من الفرص لكسب ثقة الرأي العام الوطني، فتعويضه ببن أشنهو أو غيره غير مضمون النتائج بسبب عدم انسجام الطاقم الحكومي وتردي الوضع الأمني على الحدود الجنوبية وانتشار الجريمة، إضافة إلى ضعف أداء الإدارة وبروز فضائح الفساد والرشوة بقوة. ويدل التناقض بين تصريحات الوزير الأول ووزير الداخلية دحو ولد قابلية، على استمرار عمل الحكومة برأسين مثلما كان عليه الحال في عهد أويحيى. إذ يوجد وزراء اختارهم الرئيس ومحسوبون عليه لا يخضعون للوزير الأول وغير ملزمين بشيء تجاهه، مثلما سبق أن قاله صراحة جمال ولد عباس حين دخل في صراع إعلامي مع أويحيى. والظاهر، حسب مصادر مطلعة على ما يجري في محيط الحكومة، أن بوتفليقة اتضح له بسرعة أن سلال ليس تحت أوامره كلية، ولم يعد هذا الأخير بالتالي يحقق التوافق بين الرئيس وأجهزة الأمن أو الجيش كما قدمته وسائل الإعلام في بداية توليه مهام الوزارة الأولى. وإذا استمر الوضع الاجتماعي في التصعيد مع استمرار مهاجمة الشخصيات المحسوبة على جناح الرئيس في مهاجمة الحكومة، زيادة لانتقادات المعارضة... فإن رحيل حكومة سلال قد يكون عربون تهدئة جديدا ولو كان ظرفيا.