ما إن أُعلن بأن الطاقم الحكومي المعدّل مطلع الشهر الحالي هو استمرار لتطبيق برنامج رئيس الجمهورية، حتى تشكلت قناعة لدى الملايين الذين يترقبون حلولا لمشاكلهم، بأن حاجياتهم لن تقضى في القريب. فلا تنحية أحمد أويحيى، ولا أبو بكر بن بوزيد، ولا جمال ولد عباس، جلب هدنة، ولو مؤقتة، للحكومة ''الجديدة'' التي تستعد لمواجهة الاحتجاجات الاجتماعية. أما سياسيا، فتبدو التغييرات التي أحدثها الرئيس على جهازه الحكومي مجرد ''ليفتنغ'' مهمته تصريف أعمال جارية إلى غاية موعد 2014. رغم اختيار الدخول الاجتماعي لإحداث التغيير الحكومي حكومة سلال لم تفكك غليان الجبهة الاجتماعية عندما اختارت السلطة شهر سبتمبر للإعلان عن الحكومة الجديدة، بعد مرور 4 أشهر عن تنظيم الانتخابات التشريعية، كان التوقيت يراد من ورائه بالدرجة الأولى ''امتصاص'' غضب الجبهة الاجتماعية، وخلط أوراق الحركات الاحتجاجية التي دعت إليها النقابات العمالية والمهنية. فهل جاءت النتيجة مثلما خطط لها؟ لم يغير تنصيب الحكومة الجديدة، برئاسة عبد المالك سلال، خلفا لأحمد أويحيى، كثيرا من ''المواعيد'' الاحتجاجية التي دعت إليها العديد من التنظيمات النقابية قبل الدخول الاجتماعي، وهو أمر لم يكن يحدث سابقا، حيث كانت تمنح فترة ''هدنة'' لتمكين الحكومة الجديدة من تجهيز ''ملفاتها'' قبل الخروج عليها بالمطالب الاجتماعية أو بعمليات ''عض الأصابع''. وما لوحظ، في هذا السياق، أنه في نفس التوقيت الذي كان فيه الوزير الأول يعرض مخطط عمل حكومته أمام نواب المجلس الشعبي الوطني، دخلت العديد من التنظيمات العمالية في قطاعات النقل، والصحة، والبلديات، والتربية في إضرابات واعتصامات. وتظهر هذه المعطيات أن مفعول حقنة الحكومة الجديدة لم يعطل قطار الاحتجاجات طويلا، وذهب مفعول التغيير الحكومي بسرعة قياسية، بعدما كان مفعوله في السنوات الماضية يستمر لأكثر من مائة يوم على الأقل، وهي فترة ''الإعفاء''. وقد يكون مرد ذلك لكون حكومة سلال الجديدة القديمة أعلنت، منذ لحظة تعيينها من قبل رئيس الجمهورية، أنها ليست حكومة ''قطيعة''، بل حكومة ''استمرارية'' في تطبيق برنامج الرئيس، أي جاءت لتتميم ما بقي من نسبة الإنجاز عن الحكومة التي سبقتها. ولعل عنوان ''الاستمرارية''، الذي اختارته حكومة سلال لنفسها، هو الذي جعل حتى القطاعات الوزارية التي عرفت تغييرا في وزرائها، على غرار الصحة، حيث جيء بزياري ليخلف جمال ولد عباس، وبعبد اللطيف بابا أحمد، ليعوض بن بوزيد على رأس قطاع التربية لم يمكن ذلك من ''امتصاص'' حجم الاحتقان داخل تلك القطاعات التي واصلت تنظيماتها النقابية الكر والفر والتهديد والوعيد مع الحكومة. وزيادة على الاكتظاظ الذي برز مع الدخول الاجتماعي الجديد، لازالت مشاكل أموال الخدمات الاجتماعية والقانون الأساسي لعمال القطاع فوق طاولة الوزير الجديد، وبقي ملف ندرة الأدوية يلاحق خليفة ولد عباس، وقد ينتقل مشكل الاكتظاظ إلى قطاع التعليم العالي لينغص راحة بال عبد الرشيد حراوبية، بعدما هدد عمال الخدمات الجامعية بالإضراب مع الدخول الجامعي المقبل. وساهم التأخير في تغيير الحكومة، الذي كان منتظرا حدوثه عقب إجراء الانتخابات التشريعية الماضية، في تعطيل الجهاز التنفيذي لمدة تجاوزت الأربعة أشهر، وهي فترة كافية لخلق أزمات اجتماعية وتراكمات لمشاكل يصعب مواجهتها فيما بعد، وهو ما يفسر جزءا من الغضب على الحكومة الجديدة، حتى قبل أن تستلم مهامها رسميا، ويزكى برنامجها من طرف البرلمان. أحزاب تنبأت بفشلها وأخرى وصفتها بالهجينة وثالثة عجلت برحيلها المعارضة تصوّب سهام انتقاداتها للحكومة الجديدة قبل انطلاقتها الرسمية لم تتريث أحزاب المعارضة كثيرا في توجيه سهام انتقاداتها باتجاه حكومة سلال الجديدة، حيث تخلت عن تحفظاتها مبكرا، وراحت تطلق أوصاف ونعوت على الفريق الحكومي، وهو يحبو خطواته الأولى. فبين حركة النهضة التي وصفت مهمتها بالفاشلة وبين الأفافاس، الذي اعتبر مخطط عملها بأنه ''برنامج انتخابي للرئاسيات المقبلة''، توقع سلطاني بأن عمرها لن يزيد عن 20 شهرا. باستثناء إعلان عبد العزيز بلخادم وأحمد أويحيى، بوضوح، عن دعم حزبيهما، الأفالان والأرندي، لحكومة عبد المالك سلال ومرافقتها في مهمتها، فإن أغلبية الأحزاب الأخرى، غير العضوة في الحكومة، تعاطت ببرودة كبيرة مع الجهاز التنفيذي الجديد، وخرجت مبكرا في إبداء رأيها بعيدا عن الدبلوماسية المعهودة، أو التحفظ المعروف عليها في مثل هذه المواقف الحساسة، وأعطت الأحزاب، وخصوصا المعارضة منها، الانطباع وكأن حكومة سلال غير المحسوب على أي حزب سياسي، يتيمة لا أحد يدافع عنها، وبالتالي يسهل إمطارها بشتى الأوصاف والنعوت. وضمن هذا السياق، يرى رئيس حركة مجتمع السلم أن مخطط الحكومة ''خال من كل ماهو استراتيجي''، وقال ''سهرت، وأنا أتأمل في مضمونه فوجدته ظرفيا''، في إشارة إلى أن سلال لم يقدم أي جديد، ولم يحمل معه ما كان ينتظره الجزائريون، وهو أمر جعل سلطاني يتوقع بأن ''عمر الحكومة الحالية لا يتجاوز ال 20 شهرا''. وذهب الأمين العام لحركة النهضة بعيدا عما جاء على لسان شريكه في تكتل الجزائر الخضراء، حيث قال ''لسنا متفائلين بأداء حكومة جديدة قدمت مخططا خال من الأرقام وغير قابل للقياس والتقييم''، مؤكدا أن ''الحكومة الجديدة لم تنبع من إرادة الشعب، ولم تراع نتائج الانتخابات التشريعية''. داعيا إلى ''دستور توافقي وحكومة وحدة وطنية ثم تنظيم انتخابات نزيهة''. من جهته، اعتبر جاب الله أن الحكومة الجديدة دون تغيير، وقد اعتمد النظام على استبدال المناصب الخاصة بالوزراء لا جديد متجدد فيها. هذا الأمر، حسب جاب الله، يثبت أن السلطة، من خلال هذه الحكومة، أكدت أن الانتخابات مجرد تحقيق لاستمرارية النظام، بعد مسرحية العاشر ماي الماضي، متوقعا أنها ''هدوء يسبق العاصفة القادمة للانتفاضة''. وانتقدت الأمينة العامة لحزب العمال ما أسمته باستمرار تعايش المتناقضات في الحكومة الجديدة، وقالت إنها حكومة تعكس استمرارا للأزمة. ووصفت لويزة حنون الحكومة الجديدة بأنها ''استمرار من جهة وتغيير جزئي من جهة ثانية''، ورأت بأنه ''كان يفترض بما أن البرلمان لا يحتوي على أغلبية ساحقة أن تتأسس حكومة تقنوقراطية تكلف بتحضير الانتخابات المقبلة''، عوض تشكيل حكومة ''لاتقنوقراطية ولا متحزبة''. وبررت حنون قولها باستمرار الأزمة السياسية، بالتأكيد أن الحكومة التي تأسست أربعة أشهر بعد الانتخابات التشريعية، لم تكرس ''لا قطيعة ولا تحولا كان مأمولا''. ولخص الأفافاس، على لسان أحمد بطاطاش، موقفه من حكومة سلال بأن ما اقترحته في مخطط عملها لا يعدو كونه ''برنامجا انتخابيا للرئاسيات المقبلة''. هذه المواقف لم تمر دون أن يعلق عليها الوزير الأول، الذي أبرز شرعية حكومته، وشبه الثقة التي وضعها الشعب في النواب بتلك التي وضعها الرئيس بوتفليقة في شخصه، في إشارة إلى أنه مدعوم ومسنود من أكبر مؤسسات الدولة. على النقيض برلماني التجمع الوطني الديمقراطي بلقاسم شبعان ل''الخبر'' لا ينبغي الحكم على فريق سلال قبل اختباره ميدانيا تعرضت الحكومة لانتقادات من المعارضة حتى قبل نزولها للبرلمان لعرض مخطط عملها. لماذا؟ صدرت في حق الحكومة كثير من الأحكام المسبقة، وكان بالأحرى إعطاء فرصة لها لإظهار قدراتها، وتنفيذ مخطط العمل الذي قدمته أمام البرلمان. وفي هذه الحالة يمكن للمعارضة أن تنتقد وتصدر أحكاما. وينسحب هذا على الأحزاب الشريكة في الحكومة، لأن من حقها توجيه انتقادات بغرض تصحيح الأوضاع ومعالجتها. الانتقادات مبررة في نظر الكثيرين، لأن الحكومة أعادت إنتاج المخطط السابق، كما أن نواة الفريق الحكومي السابق مازالت موجودة.. يجب أن نشير إلى أن الحكومة السابقة أنجزت الكثير للجزائر، وقامت بعمل جبار، وأعتقد أن طبيعة المرحلة والظروف الإقليمية والدولية تتطلب منا الحيطة والحذر وتقديم الدعم للجهاز التنفيذي، بدل المزايدات وإصدار أحكام قاسية. هل ستنجح حكومة سلال في امتصاص غليان الجبهة الاجتماعية؟ بالحوار والعمل وإشراك كل الطاقات السياسية والمجتمع المدني والفاعلين في الساحة، وبالعقلانية، أظن أنه من الممكن والرزانة والتحكم والتبصر، وجعل من خدمة هذا الوطن في صدارة هذه الأطراف أولية للخروج من هذا الوضع ومواجهة التحديات الصعبة، نحن لا ندري كيف سيكون الغد، في ظل التغييرات السريعة التي يشهدها العالم. هناك قناعة لدى كثير من أطياف المعارضة والملاحظين أن مخطط عمل الحكومة يحمل خلفية انتخابية، أي انتخابات الرئاسة لعام 2014، وأن تكليف سلال الذي تولى إدارة الحملة الانتخابية للرئيس بوتفليقة في 2004 و2009 مرتبط بالموعد الرئاسي القادم؟ هذا رأي البعض، ونحترمه فلكل قراءته الخاصة وتحليله السياسي الذي يناسبه. وهذا يدخل في إطار حرية الرأي، ويندرج أيضا ضمن الأحكام الجاهزة أو المسبقة.. نحن لا نستبق الأحداث، وأرى أنه من المناسب القيام بواجبنا، لأن الرئاسيات موضوع آخر. عمليا لا يفصلنا إلا 18 شهرا عن رئاسيات 2014 إن لم يكن أقل من ذلك.. إلى غاية بلوغ 2014 هناك وضع وتناقضات وأوليات تحديات كبيرة يجب التعامل معها، والعمل لإيجاد حلول لها خدمة لهذا الوطن، وسيكون حينئذ لكل حدث حديث. برلماني جبهة القوى الاشتراكية أحمد بطاطاش ل''الخبر'' حكومة سلال مكلفة بتهيئة الأجواء لمرشح السلطة في 2014 لم تسلم الحكومة التي يقودها عبد المالك سلال من انتقادات المعارضة، حتى قبل عرض مخططها لماذا؟ لمشكل ليس في حكومة يقودها عبد المالك سلال أو أحمد أويحيى، إنها حكومة نظام يكرس الاستمرارية، وهذا النظام لا يوفر شروط الانتقال، بل يعرقل التغيير المنشود الذي يصبو إليه الشعب الجزائري من أجل الديمقراطية والتعددية، وبالتالي هذه الاستمرارية تقلقنا وتقلق الشعب الجزائري، وبالتالي نحن ننتقد هذه الحكومة، كما انتقدنا الحكومات السابقة، لأنها لا تكرس -كما قلت- التغيير الحقيقي ورحيل هذا النظام القائم منذ .1962 ثم أن مخطط الحكومة ليس امتداد لسابقه لا يحمل حلولا لمشاكل الجزائريين، إنه يفتقد للأرقام، وفي حقيقته ليس إلا إعلان نيات. في اعتقادكم هل تملك الحكومة الحالية القدرة على مواجهة غضب الجبهة الاجتماعية، وخصوصا في ظل استمرار الإضرابات والاحتجاجات في عديد القطاعات؟ حسب مخطط الحكومة المعروض على البرلمان، نتوقع أن تعتمد نفس الإستراتيجية والأساليب المتبعة منذ عدة سنوات، والتي أثبتت فشلها وعجزها، ولهذا فالجبهة الاجتماعية لن تهدأ. وأعتقد أنه بالعكس من ذلك أنها ستكون أكثر سخونة، وتشهد بلادنا مزيدا من الاحتجاجات، لأن النظام الحالي عاجز عن تقديم الحلول التي يريدها الجزائريون لمشاكلهم الحقيقية، وخصوصا في مجال التنمية وحقوق الإنسان والديمقراطية والحقوق الفردية والثقافية واللغوية. هناك قراءة بأن تعيين سلال على رأس الحكومة ومخطط عمله يحمل أجندة خفية تتعلق بالرئاسيات المنتظرة في سنة .2014 أنتم صرحتهم بذلك في أكثر من مناسبة كيف ذلك؟ بطبيعة الحال نعرف أن مركز النظام السياسي الجزائري وعموده الفقري الجزائري هو رئيس الجمهورية، وسلال الذي أدار حملتين انتخابيتين في 2004 و2009، ثم رقي إلى منصب وزير أول، له مهمة وأجندة محددة هي انتخابات ,2014 من خلال تهيئة الأجواء المناسبة لمرشح السلطة. ومن سيكون مرشح السلطة في رأيكم؟ لا نعرف هوية مرشح السلطة للرئاسيات، ولكننا مقتنعون بأنه كما جرت العادة فإن أصحاب القرار سيختارون رئيسا وتكون حكومة تمهد لذلك، ولن ننخدع بالخطاب الذي يقول إن الانتخابات الرئاسية ستكون مفتوحة. الجزائر: حاوره ف.جمال