كيف تقرأ الشعارات السياسية التي لوحظت في مسيرات الجنوب، بداية بتلك التي رفعت في مسيرة ''دولة العدل والقانون'' في وادي سوف؟ هناك تفسير أول مرتبط جغرافيا بكون وادي سوف ولاية مسيسة، بالمقارنة مع الولايات الأخرى، وتاريخيا عرفت بوجود تيارات وثقافة سياسية متميزة منذ الحركة الوطنية، وبمستوى تعليمي عال. من جهة أخرى، أجد أن الانتقال إلى الشعارات السياسية هو تطور منطقي من حيث أن الناس تعتقد أن المطالب الاجتماعية مرتبطة بالفشل السياسي، في ظل دولة تسير كل شيء وفي نظام ريعي يتحكم في كل شيء، وفي وقت اختفت فيه رموز النظام. فرئيس الجمهورية يبدو كأنه انتدب مستويات أقل لإدارة شؤون الدولة كالوزير الأول، ولا أعتقد أنه الحل الأمثل لهكذا وضع، كما أنه مفهوم جدا أنه عندما تصل الحركات الاجتماعية إلى مستوى ما من التجنيد الشعبي الكبير، وحين تفشل الحكومة في الاستجابة السريعة للمطالب الاجتماعية، ومع طول فترة الحسم، تتحول المطالب إلى التسيس. لكن كيف يمكن فهم هذا الانتقال السريع للشباب المدير للحراك في الجنوب، من المطالب الاجتماعية إلى المطالب السياسية؟ نحن أمام حركات شبانية جديدة، وهذا طابع سوسيولوجي جديد، وأمام شباب لهم علاقات وقدرة على التعامل مع تكنولوجيا الاتصالات، وهم على دراية بكل التطورات السياسية والاجتماعية الحاصلة في البلاد وفي المحيط الإقليمي والدولي أيضا، ولديهم اتصالات، وطموحاتهم نوعية وأكبر من طموحات كبار السن، ولديهم قدرة على متابعة التجارب الناجحة في التغيير. كما أن انتشار الجامعات في الجزائر عامل مؤثر في الحراك الشباني، بحيث أن هناك تغييرا ثقافيا ونوعيا للشباب في المناطق الجنوبية، في مقابل أن لدينا دولة تبني جامعات وتغير ثقافيا وتنشر التعليم، لكن لدينا نظام سياسي لا يعرف مخارج التغيير ولا يحسن تسييره، كما أن الرجل السياسي في الجزائر لا يحسن التواصل مع الناس، وإذا تكلم أضحك وأحدث كوارث، والرجل السياسي في الجزائر لا يريد الحديث مع الشعب وليس لديه الرغبة في التخاطب معه، بالنسبة إليه هو يعطي الأوامر للشعب الذي عليه أن ينفذ دون أن يناقش، والمسؤول السياسي لا يجد نفسه مطالبا بشرح قراراته أو الخضوع للمحاسبة، نلاحظ أن الحكومة لا تملك جريدة توزع أكثر من خمسة آلاف نسخة تنشر فيها أفكارها، ولا تملك تلفزيونا له قدرة تنافسية حتى مع القنوات الجديدة الناشئة. هل للمطالب والشعارات السياسية المرفوعة في الجنوب علاقة بسياق القضايا الساخنة في الجزائر قبل سنة عن الانتخابات الرئاسية؟ بالتأكيد. إذا عرفنا أن الجو الذي يتم فيه الحراك الاجتماعي، يمكننا فهم الانتقال إلى الشعارات السياسية، نحن في السنة الأخيرة قبل الانتخابات الرئاسية، وهذا الحراك الاجتماعي يتحول إلى سياسي لكون سنة 2013 هي سنة تسبق الرئاسيات، وهي سنة سياسية بامتياز، وحتى القضايا الاجتماعية والاقتصادية البسيطة ستلبس بلباس سياسي، وأنا قلت في وقت سابق إن سنة 2013 ستكون سنة الحسم السياسي في الكثير من القضايا، هناك تفجر قضايا فساد، وسطو على محكمة الجزائر، وحراك حزبي، وخريطة سياسية متغيرة، وعلى هذا الأساس أتوقع أن يكون هناك صيف ساخن وحراك سياسي كبير، ومن غير المتوقع أن يتم تسييس كل المطالب.