تونس النموذج الأمثل لحالة الانتقال السلمي للسلطة في هذا الحوار يكشف الإعلامي والكاتب رابح فيلالي، صاحب رواية ”وعد الياسمين”، عن التحول الحقيقي في مساره الإبداعي، حيث استطاع بقلمه المتميز، أن يصف الحراك السياسي والاجتماعي في الوطن العربي؛ حيث أضاف هذا التحول للكاتب طموحا عربيا معاصرا في تجاوز آلمه الشخصي ووحدته في بلد العم سام، بل تعدى آفاقه المحلية والإقليمية، ليخرج بأكثر من لسان حي للأمة العربية، ويقرّ بأن تونس تقدّم حاليا النموذج الأمثل لحالة الانتقال السلمي للسلطة، بعد أن قدّم البوعزيزي - بطل روايته - نفسه قربانا لأمة كاملة. ويعرّج بنا فيلالي؛ الذي التقيناه في ولاية الوادي، على الحضور الإعلامي الجزائري المميز في الفضائيات العربية. بعد رواية ”رصاصة واحدة تكفي” يطل علينا رابح فيلالي عبر الفايس بوك برواية أخرى فيها ”وعد الياسمين”، ما الذي يحمله هذا النص من تفصيلات، خصوصا وأن عنوانه يحيلنا إلى الحديث عن بعض التغيرات الإقليمية؟ ”وعد الياسمين” هي رواية اختارت لنفسها أن تعبر التاريخ العربي الحديث خلال الخمسين سنة الماضية والتي حكم فيها الرجل الواحد والنظام الواحد والعائلة الواحدة واستقرت الصورة إلى درجة كانت تبدو معها الصورة - قبل سنة واحدة من الآن - نهائية للواقع العربي؛ بل إن الحاكم العربي اطمان وبالكامل إلى سكينة هذه الشعوب، وراح يخطط في الغرف الجانبية لمشاريع توريث بالجملة وهي مشاريع مناقضة تماما لتاريخ هذا الجزء من العالم الذي خرج لتوه من حروب تحرير طويلة ووصل أغلب رموز الحكم فيها الى السلطة، بناء على انقلابات عسكرية كانت تحمل الثورة والتغيير شعارا لها، لكنها فضّلت الإقامات الأبدية في هذه المناصب. هذا الجزء الأول من الرواية، أستعرض فيه انتشار سلطة الأنظمة الأحادية الرؤية والسلوك والرجال والمصائر إلى أن تحدث حالة الثورة العارمة في الشوارع ويكتشف الحاكم العربي أنه كان يقيم في مكان آخر؛ غير المكان الذي تقيم فيه حقيقة شعوبه وتتحوّل العلاقة إلى صدام كامل إلى أن تحدث مراحل انتقالية بتعقيداتها في التاريخ الانساني من الأنظمة الشمولية إلى الأنظمة المتعددة، وهي مرحلة فيها كثير من العقبات والهانات؛ لكنها في الأأخير مراحل تريد أن تطرق باب المستقبل. ”وعد الياسمين” هي قراءة في علاقة الحاكم بالمحكوم في الوطن العربي مع دعوة عميقة وصريحة إلى التأكيد أن خلاصنا الأفضل سوف يكون من خلال الانضمام والالتزام بالقيم الكونية التي تملأ سماء بقية شعوب العالم. لماذا أصبحت القضية التونسية مهمة في كتاباتك الأدبية، هل يمكن أن نقول إن فيلالي ركب موجة ”أدب الربيع العربي”؟ لأن تونس قدّر لها أن تكون المنطلق في حركة التغيير في المنطقة العربية؛ ثم إن هذا البلد يقدم حاليا النموذج الأمثل لحالة الانتقال السلس والسلمي للسلطة والخروج الهادئ من حكم الرجل الواحد إلى حكم القيم والمؤسسات. هذا البلد يملك أحسن طبقة متعلمة في الوطن العربي، إضافة إلى أنه الوحيد الذي يملك طبقة متوسطة هي الأكثر استقرارا دخلا وتعليما في الوطن العربي.. كل هذه العناصر تجعل من تونس تملك العناصر الواجبة لنصّ روائي يسجل حالة الانتقال التاريخية هذه التي تحدث في المنطقة العربية في الوقت الحاضر، إضافة إلى أن هناك إيمان عميق لدى كافة المؤسسات البحثية المختصة في العالم بأن تونس ستكون الدولة العربية الأسرع تحولا في مشروع دمقرطة الحياة السياسية فيها. ماذا أضاف لإبداعك هذا التحوّل الموسوم ب”الربيع العربي”؟ أضاف إليّ شجاعة طرح الأسئلة الحقيقية عن واقعنا الاجتماعي والسياسي، في هذا الجزء من العالم والخروج بحجم الأوجاع من حالة الفرد إلى حالة الأمة وتقديم الإنسان العربي على أنه جزء من الحالة الإنسانية العامة وليس كائنا منفصلا في الزمن الحضاري والمكان الجغرافي، كما كانت تريد الأنظمة التي حكمته بقوة الحديد والنار طيلة النصف الثاني من القرن العشرين والعشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين. هل تعتقد أن روايتك الجديدة ”وعد الياسمين” ستجد صدى على الفايس بوك مثلما وجدته روايتك ”رصاصة واحدة تكفي”؟ حتى الآن؛ هي تحقق القبول الواسع وهذا أمر أشكر الله عليه. ولو أن موضوع ومناخ ”وعد الياسمين” يختلف تماما عن ”الرصاصة” في الكل وفي التفصيل؛ لكن ومن خلال الأجزاء التي وضعتها على الفايس بوك، فإن الاحتضان لها من قبل القرّاء الأفاضل لا يقلّ حماسة ورغبة في الاطلاع على المزيد من تفاصيلها عمّا حدث مع ”الرصاصة” مع التأكيد دوما أن للرصاصة بريقها الخاص كونها كانت أول رواية عربية تعمل على استغلال فضاء الفايس بوك وتنشر عليه وتحقق ما تحقق لها بكرم من الله من انتشار مس أجزاء العالم المختلفة وحقق للنسخة الإلكترونية الانتشار الواسع الذي مهّد الطريق لنجاح آخر حققته النسخة الورقية في وقت لاحق. لكن؛ كيف تم التحول في كتاباتك من مرارة الغربة والوحدة والشوق لقسنطينة إلى التعايش مع هموم الثورات العربية؟ من كرم الله عليّ، أني عشت في عدة بلدان في العالم متفاوتة؛ بل وإن الفارق بينها صادم إلى درجة تنتقل أحيانا من مراحل بدء التاريخ ونهاية التاريخ، كما هو الحال وأنا أنتقل من ”جوبا” في جنوب السودان، حيث لا يزال الإنسان هناك يعيش الحياة التي عاشها آدم عليه السلام، وبين واشنطن، حيث التقنية الخرافية التي تدير حياة الإنسان في أعظم صورها الحضارية في تاريخ الوجود البشري ة.. هذا التنوع الهائل في المسارات والحضارات والمعايشات سمح لي بالتعرف على هموم الإنسان العربي المبطّنة وليس تلك المعلنة المبرمجة وفقا لإرادات تُسير حياة الناس في الغرف المكيّفة بحسب ما يريده الرجل الواحد وفي المكان الواحد .. هناك واقع عربي أليم وموجع إلى درجة تشعر معها أن الإنسان العربي في بعض أجزاء الجغرافيا العربية مرغم على أن يعيش في زمن إنساني آخر غير الزمن الذي تقطعه الإنسانية في الزمن الحاضر. عرفت آلام وآمال هذه الشعوب فكنت دائم المعايشة لها فيزيولوجيا ووجدانيا إلى أن أيقنت وفي صمت أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر وأن هناك لحظة حقيقة قادمة حتما، فكانت اللحظة التاريخية في حريق البوعزيزي في بلد كنت وسأظل أؤمن دوما أنه بلد يلعب دورا كبيرا في قيادة المنطقة العربية إلى حالة من التنوير العقلي والدهني والمؤسساتي، غير المسبوقة في تاريخ الإنساني العربي الحديث. لذلك كان منطلق وجو الرواية الجديدةتونسي بامتياز .. وهو جو لم يغب عنه البوعزيزي على الإطلاق، لأنه هو سيد الرواية في كل حرف من حروفها بل إن ”وعد الياسمين” حاولت أن تُُقدم نفسية البوعزيزي بكل تفاصيل القهر فيها قبل أن يقرر أن يكون قربانا لأجل يقظة أمة بكاملها وليس تونس لوحدها. ما رأيك في واقع الإنتاج الروائي في الجزائر، خصوصا في السنوات الأخيرة التي ظهرت فيها بعض الأسماء التي تحاول إيجاد مكان لها بين الأسماء المكرّسة؟ هناك فضاءات جديدة تتوفر للجيل الحالي من المبدعين الجزائريين، لم تتوفر لأبناء جيلي على الأقل ..هناك هذا التعدد والتنوع في منابر النشر وهناك فرص الحضور الإعلامي التي لم تكن متوفرة لنا على الإطلاق وهناك وسائط الاتصال الحديثة التي غيّرت وجه التاريخ في المنطقة العربية وليس فقط تقاليد ومنابر النشر .. لذلك؛ فإن اعتقادي أن الأمة التي كتبت أول رواية في التاريخ، هي أمة قادرة على أن تنجب فنانين وروائيين عظماء في أي جزء من جغرافيتها الكبيرة والمتنوعة والموزعة من البحر إلى عميق الصحراء .. وفي حدود المتاح لي عن طريق الأنترنت، فأنا أكون في واحدة من أجمل حالاتي وأنا أقرأ لأسماء جزائرية مسكونة بالهمّ وتملك حرفة صناعة الحرف وتؤسّس لمشهد إبداعي طال الزمن أو قصر سوف ينجح هذا الجيل في إدخال النص الجزائري إلى العالمية وأنا على يقين من إيماني هذا. كيف يوفق رابح فيلالي بين العمل الإعلامي والتأليف الإبداعي؟ هي تضحية يومية بين التزاماتي العائلية والمهنية كمراسل لمحطة تلفزيونية ينتقل بين واشنطن ومناطق عدة في العالم ..لكنها التضحية التي تحدث بمحبة، لأن ما نملكه من أفكار ورؤية من واجبنا نقله للآخرين ومن حق الآخرين فينا أن يطلع عليها، ربما كان في ذلك إضافة إلى مسارنا الإنساني والحضاري، لأن الذي يبقى منا وحده هو الحرف .. والحرف هو رسالة السماء الخالدة إلى الأرض فأحسن وسيلة لتواصلنا الإنساني والفكري بالتأكيد لن يكون أعظم من جمال وروعة الحرف بيننا. ما هو رأيك في الطاقات الجديدة التي برزت في ساحة الإعلام وهل بإمكانها أن تعطي دفعة قوية للصحافة في الجزائر؟ الإعلام الجزائري لايحتاج إلى شهادة من أحد .. ما يحدث الآن في مشهد الإعلام العربي فيه الإجابة الكافية والشافية لهكذا تساؤلات ..نجوم الفضائيات العربية وجزء هائل من النساء والرجال الذين يصنعون أمجادها هم أبناء المهنة القادمين من معاهد وجامعات ومؤسسات الجزائر .. هذا يقودنا إلى القول إن الإعلام الجزائري يملك الموهبة اللازمة والمناخ والتنوع والقصة الإنسانية التي بإمكانها أن تقدم الجزائر في الصورة التي تليق بعظمة المكان والإنسان فيها والزمن الحضاري في تاريخها .. ما هي الرسالة التي توجهها إلى رجال مهنة المتاعب والكتّاب على حد سواء؟ تجاوزوا خلافاتكم الصغيرة ..علينا أن نكبر في اتفاقنا ونتجاوز عند اختلافنا.. وحدها المحبة تصنع مجدنا الإنساني. هناك كثير في الحياة يجب أن ينجز في عمر قصير وضيق، بحجم الطموحات الواسعة فيه. الجزائر بلد عظيم وجميل بإرادة الله فيه لنعمل جميعا لنجعله أعظم وأجمل بإرادة الإنسان فينا.