إنّ القلب محلّ اللّه سبحانه وتعالى، لذا على المؤمن أن يسعى لإصلاح قلبه وتنقية روحه وتصفية نفسه من الكدورات والأخلاق الدنيّة وذلك بمجاهدة نفسه، قال تعالى: {والّذين جاهدوا فينا لنهدِيَنَّهم سُبُلَنا}، أي طرق اللّه. النّفس أمّارة بالسّوء وجُبِلَت للميل للشّهوات والنّزوات، كما قال تعالى، على لسان سيّدنا يوسف عليه السّلام: {وما أُبرِّئُ نفسي إنّ النّفس لأمّارة بالسُّوء إلاّ ما رحم ربّي}. بل إنّ من أعظم أمراض القلوب اتّباع الهوى، واتّباع الهوى هو النّزول إلى حكم العاطفة، من غير تحكيم للعقل أو رجوع للشّرع، وهو نقيض الحقّ، كما قال تعالى: {يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكُم بين النّاس بالحقِّ ولا تتَّبِع الهوى فيُضلّك عن سبيل اللّه}. ويقول الإمام العلامة أبو إسحاق الشاطبي المالكي رحمه اللّه: في الآية دليل على أنّ الحقّ نقيض الهوى، بل هو من المهلكات، كما جاء في الحديث الّذي رواه الطبراني والبيهقي والقُضاعي من طريق أنس بن مالك رضي له عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ''ثلاث مهلكات وثلاث منجيات، فأمّا المهلكات فشُحٌّ مُطاع هَوًى مُتَّبَع وإعجاب المرء بنفسه، وثلاث منجيات: خشية اللّه في السّرّ والعلانية والقصد في الفقر والغنى والعدل في الغضب والرِّضا''. بل إنّ المقامات العلية من مقامات العرفان والقُرب الإلهي بسبب نهي النّفس عن الهوى، قال تعالى {وأمَّا مَن خاف مقام ربِّه ونهى النّفس عن الهوى فإنّ الجنّة هي المأوى}. والإنسان الكيِّس العاقل هو مَن جاهد نفسه ونهى هواه وعمِل لما بعد الموت، كما جاء في الحديث الّذي يرويه الترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم والطبراني والبيهقي والقضاعي من طريق شدّاد بن أوس رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ''الكَيِّس مَن دان نفسه وعمِل لما بعد الموت والعاجز مَن اتّبَع نفسه هواها وتمنَّى على اللّه الأماني''. فعلى المسلم أن يضبط سلوكاته بالشّرع، ويقيس أعماله بميزان الوحي، كما جاء في الحديث الّذي يرويه مسلم قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: ''لا يُومِن أحدُكم حتّى يكون هواه تبعاً لمَا جئتُ من أجله''، لذا يقول العلماء إنّ لاتّباع الهوى أسباباً منها: حبّ الدنيا والركون إليها ونسيان الآخرة، كما قال تعالى: {إنّ الّذين لا يرجون لقاءَنا ورَضوا بالحياة الدنيا واطمأنُّوا بها والّذين هم عن آياتنا غافلون}. ومجالسة أهل الأهواء ومصاحبتهم كما جاء في الحديث الّذي يرويه مالك من رواية محمد بن الحسن الشيباني وأحمد والحاكم والبيهقي والقُضاعي من طريق أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ''المرءُ على دين خليله فليَنظُر أحدُكم مَن يُخالل''، وكما قال أبو قلابة: ''لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجاملوهم فإنّي لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة''. وكذلك الاستهانة بالذنوب والمعاصي والآثام، كما جاء في الحديث الّذي يرويه البخاري والترمذي وأبو يعلى والبزّار والبيهقي من طريق عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال: قال صلّى اللّه عليه وسلّم: ''إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإنّ العاجز يرى ذنوبه كذباب مزّ على أنفه''. ومن آثار اتّباع الأهواء عدم تقبّل النُّصح والإرشاد والإصرار على الخطأ، كما قال تعالى: {فإن لم يستجيبوا لكم فاعلم أنّما يتّبعون أهواءهم}. فعلى المؤمن أن يتوخَّى الحذر، فإنّ النّجاة والفلاح بمتابعة شرع اللّه والرجوع إلى نصيحة العلماء الربّانيين، ومجانبة صحبة المغترّين المصرّين في الضلال والإصلاح، ومجاهدة أعدى أعدائنا ونفسنا الّتي بين جنبينا، واللّه الهادي إلى سواء السّبيل. *إمام مسجد ابن باديس الجزائر الوسطى