إذا كانت ”حمس - مقري” لا تدعم رئيس الحكومة الأسبق، أحمد بن بيتور، وعبد الله جاب الله، رئيس ”جبهة العدالة والتنمية” لا يترشح أصلا للانتخابات الرئاسية المقبلة، وإذا كانت ساحة الترشح خالية من فرسان في هذا الظرف السياسي المنكفئ، فعلى أي شاكلة ستكون الانتخابات الرئاسية ؟ لم تتوقف حالة السوسبانس التي رهنت انشغال الجزائريين بثنائية ”صحة الرئيس” و«الانتخابات الرئاسية”، دون أن تشكل هذه الثنائية تحفيزا لاستشراف ما سيكون عليه المشهد السياسي قبيل أشهر قليلة عن الاستحقاق الرئاسي، عند عتبة الحيرة إزاء فراغ الساحة ممن يمكنهم طرح أنفسهم بدائل، ليس للرئيس بوتفليقة في حال عدم إبداء نيته في استكمال ”الرابعة”، ولكن لمن ينادون ببديل للنظام الحالي، وهم كثر بكثرة خطاباتهم الداعية إلى ذلك، بل وتعدى السوسبانس ذلك بكثير إلى ”الدهشة” حيال راهن وضع لم تعرف له الجزائر مثيلا في اختباراتها الانتخابية منذ الاستقلال، وهي تواجه رئاسيات بقدر ما أكد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن الأمر متروك للجزائريين ”لتحديد مصيرهم”، بقدر ما ظهر أن الجزائريين، وأولهم نخبتهم السياسية المعنية بحمل شارة الترشح، قد فقدوا بوصلة التحكم في مصيرهم، فتركوا الفراغ يتكلم، بدلهم، إلى حين. الإسلاميون، باعتبارهم لدغوا من عقرب استحقاقين انتخابيين (تشريعيات ماي 2012 ومحليات 29 نوفمبر) بما فهم منهم أنهم مراهنون على ”الانتقام” من النظام، في أول انتخابات تلي هذين الاستحقاقين، لم يشكلوا الاستثناء في ساحة الركود السياسي المعلق على مقبض قرار هذا النظام، وهم ينتظرون هذا القرار في ربع الساعة الأخير الذي يسبق الموعد الرئاسي، حتى وإن بدا أن الأمر لا يهم منافس الرئيس بوتفليقة في رئاسيات 2004، عبد الله جاب الله، الذي أكد أنه ”لن يترشح” في الموعد القادم، في قرار اتخذه حتى قبل أن يعرف إن كان بوتفليقة سيعلنها رابعة أم أنه سينسحب. ومن يعرف جاب الله جيدا يأخذ بكل ما يقوله، إلا قوله إنه لن يترشح هذه المرة، وحتى وإن كان قد قاطع رئاسيات 2009. بشكل ما، أثار تأكيد الرئيس الجديد لحركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، بأن حركته لا تدعم أحمد بن بيتور، حالة أخرى من غموض يحمل في طياته تساؤل: هل سيتحالف الإسلاميون ويقدمون مرشحا عنهم أم أن لكل منهم مربط فرسه؟ وإن كان الخيار الثاني الأكثر اقترابا من الوضع الحالي، خاصة لما يقول مقري إنه غير مرتبط سياسيا بمجموعة ال14، وأنه غير ملزم بقراراتها السياسية، كما يحيل أمر تقديم مرشح عن الحركة إلى ”استشارة” داخل مؤسسات الحركة، دون أن يذكر إن كانت الاستشارة تطال الشريك الانتخابي ”تكتل الجزائر الخضراء” في التشريعيات والمحليات. لكن ما يلفت الانتباه، هو توجه جديد ل”حمس” للعب على حبل ”الوحدة” مع جماعة حركة البناء لمصطفى بلمهدي، وجماعة التغيير لعبد المجيد مناصرة، من أجل تعزيز دعائم ”بيت نحناح”، بما يحيل إلى الفهم بأن فكرة تختمر في هذا البيت لإخراج مرشح، قد تصدق وقد لا تصدق، وإذا صدقت لا يكون المرشح سوى مرشح الحركة، التي تؤمن بما تراه حقيقة أن نتائج رئاسيات 1995 ابتسمت لنحناح وليس لغيره (زروال)، إذا تبين أن التحالف في إطار ”التكتل” شبه مستبعد، في ظل تلافي إشارات من قادته تفيد بذلك، خارج التخمين في فكرة أن جهيد يونسي، مرشح رئاسيات 2009، مطروح لدى ”الإصلاحيين” كمترشح للاستحقاق القادم. ملف الرئاسيات، لدى المترشحين المحتملين، مقفل على معرفة مرشحي النظام، بعد استبعاد ترشح أحمد أويحيى وعبد العزيز بلخادم، على الأقل في الأذهان، أو هكذا يصور الوضع لدى من يهمهم التأكد بشأن هوية فارس أو ”فرسان” النظام، لاتخاذ قرار بشأن الترشح من عدمه، بعد قياس وزن كل واحد ثم حظوظ المترشحين معه. لكن، أكثر الإشكاليات التي تنغص تفكير المهتمين بالموعد الرئاسي، تكمن في: هل سيترشح علي بن فليس أم لا؟ علما أن هناك من المترقبين من يصطف في طابور مساندته إن هو ”فهم نفسه”، وأعلنها صراحة، دونما يتأكد هؤلاء فيما إذا كانت حملات ”الفايس بوك” طعما لقياس توجهات ومواقف الجزائريين بشأنه، أم أنها مجرد غزل معجبين؟ والإجابة على هذا السؤال، بمثابة مفتاح لفتح باب الترشح أو غلقه، حتى وإن أعلن كل من رئيس حزب الكرامة (محمد بن حمو) ورئيس حزب الوفاق الوطني (بوخزنة) دخول حزبيهما بمرشحيهما. لكن من اعتادوا جس النبض ”قبل الارتماء”، خانهم وضعهم في الوصول إلى الحقيقة المتأتية من كواليس السلطة هذه المرة.. فما أصعب الحصول على المعلومة عندما يغيب الرئيس !