لا شك أن القرار الذي اتخذته، أمس، محكمة حسين داي بتأجيل النظر في إحدى “أخطر” القضايا التي تطرح عليها والمتعلقة بمنتحل صفة ابن وزير الصحة، والذي أراد إنقاذ سيدة حامل في مستشفى بارني بالعاصمة، لن تمنع البروفيسور عبد العزيز زياري من النوم. لأنه ليس الأول الذي ينتحل الناس صفاتهم ووظائفهم لقضاء حوائجهم ولن يكون الأخير. فقد استفاد قبلها منتحل صفة ابن جنرال من حراسة أمنية وسيارة رسمية طيلة أشهر في عين تموشنت بأمر من الوالي الذي كان على رأسها آنذاك. والأمثلة كثيرة جدا في هذا المجال في بلادنا. ثم لماذا يحرم النوم على زياري، وهو الذي من المفروض أن يفرح بعد الذي حدث في مستشفى بارني تلك الليلة، ما يؤكد أنه “يثير الخوف” في نفوس الذين خرجوا إلى الشوارع وانهالت عليهم الهراوات عندما أضربوا عن العمل. يفرح البروفيسور زياري لأن الذين رفضوا استقبال تلك السيدة يخافونه، حتى وإن كانوا يعلمون يقينا أنه لا يعالج في المستشفيات التي يسيرها. خافوا من “شبحه” فوفروا لتلك السيدة التي لا تربطها به أية علاقة قرابة، كل ما من المفروض أن يتوفر لها من رعاية، ليس لأنهم يتلقون رواتب من الخزينة العمومية مقابل ذلك، ولم يقدموا لها مزية، ولم ينفقوا عليها من جيوبهم لتوليدها. فعلوا الذي من المفروض أنه واجبهم، ليس لأن تلك السيدة والمخلوق الذي كانت تحمله في بطنها كانا في خطر، وليس لأن حالها استعطفهم وأثار مشاعرهم الإنسانية، ولكن بسبب الخوف الذي انتابهم من “الحيلة” التي تفطن لها ذلك الذي يقبع اليوم في سجن الحراش. وكان أمثال الذين “خافوا ابن الوزير” قد حرموا قبل أيام قليلة مئات آلاف الجزائريات والجزائريين من حقهم في العلاج، عندما شلوا المستشفيات مطالبين برفع رواتبهم وتمكينهم من المنح وغيرها من المزايا المادية. ولا شك أنهم لا يجهلون أنهم عندما توقفوا حينها عن أداء مهنتهم، يكون بعض المرضى قد فارقوا الحياة. ولم يحرم عليهم ذلك النوم، تماما مثل وزيرهم الذي خافوا ممن انتحل صفة ابنه. وسيقضي منتحل صفة ابن وزير الصحة أياما أخرى في سجن الحراش قبل أن يمنحنا فرصة متابعة “محاكمة تاريخية”، سيكون فيها القاضي من دون شك صارما لأن الذي سيقف أمامه ادعى أنه ابن وزير وهو ليس كذلك. وسيتفنن وكيل الجمهورية في مرافعته في الدفاع عن الحق العام والخطر الذي يهدد المجتمع من أمثال ذلك الذي لم يجد وسيلة أخرى لاستعطاف أطباء وممرضي مستشفى بارني لقبول علاج امرأة حامل غير تقمص شخص الغير، وأي شخص. وسيقول المتهم أمام المحكمة لماذا يضطر بعض الناس إلى انتحال صفات الذين لا تغلق الأبواب في وجوههم. لقد لخصت هذه الحادثة مستوى “إنسانية” بعض العاملين في القطاع الذي يقسم فيه ممارسوه في اليوم الأول الذي يباشرون فيه مهنتهم على أن يقدموا العلاج الضروري للناس مهما كانت هوياتهم، أديانهم، ألوان بشراتهم، وكذلك دون السؤال عن آبائهم وأمهاتهم، لكنهم لا يفعلون.