إذا كانت الاتحادية الفرنسية لكرة القدم قد عبّرت، في العديد من المرات، عن عدم رضاها باختيار العديد من اللاعبين المولودين في أراضيها، ذوي الأصول الجزائرية، اللعب لمنتخب بلد والديهما، ووصل بها الحد إلى التفكير في سياسة “الكوطة”، فإن التاريخ أثبت أن فرنسا هي الأخرى استفادت من الطاقة البشرية الجزائرية على مدار أقل من قرن. فرنسا نّددت باختيار بودبوز، قادير، كادامورو، تايدر وغيرهم حمل الألوان الوطنية، لكنها تناست في الوقت ذاته أن هناك العديد من الجزائريين صنعوا أمجاد ليس الكرة الفرنسية فحسب، وإنما الرياضة الفرنسية، ورفعوا رأسها عاليا، والأمثلة عديدة. رشيد مخلوفي.. ابن سطيف الذي صنع تاريخ سانت إيتيان رشيد مخلوفي ابن مدينة سطيف يعد مثالا حقيقيا لوطنية الابن لبلده الأصلي، لما قدّمه من خدمات جليلة لصالح الجزائر، وتفضيله مصلحة الوطن بدرجة أولى على مصلحته الشخصية. “عمي رشيد” من مواليد 12 أوت 1936، وبداية مشواره الرياضي الكروي كانت مع نادي اتحاد سطيف، المؤسس من قِبل العلامة البشير الإبراهيمي وأول رئيس حكومة مؤقتة فرحات عباس. ونجح مخلوفي في إظهار قدرات باهرة في الميادين، جعلته يحترف سريعا في نادي سانت إتيان الفرنسي، وهناك انفجرت طاقاته أكثر ونجح في قيادة فريقه الفرنسي الجديد لتحقيق كثير من الألقاب المحلية، سواء في منافسة البطولة أو الكأس، وهو ما جعله يتلقى دعوة من قِبل مدرب المنتخب الفرنسي آنذاك، بول نيكولا، للمشاركة في كأس العالم التي احتضنتها السويد سنة 1958. ولكن الذي حصل هو فرار مخلوفي من بعثة المنتخب الفرنسي، رفقة لاعب موناكو الفرنسي، مصطفى زيتوني، وتوجها مباشرة إلى الحدود الفرنسية، لتكوين منتخب جبهة التحرير الوطني بهدف إجراء المباريات الودية مع مختلف البلدان لتمثّل القضية وكسب التعاطف الدولي مع الشعب الجزائري، حيث فضّل مخلوفي مصلحة الوطن على مسيرته الكروية مع المنتخب الفرنسي، خاصة أنه كان، آنذاك، من أحسن المهاجمين وصانعي الألعاب في القارة الأوروبية. لم تتوقف إنجازات مخلوفي لصالح وطنه عند فراره من المنتخب الفرنسي والتحاقه بمنتخب جبهة التحرير، بل تعدى ذلك لقيادته الجزائر لنيل الميدالية الذهبية كمدرب في ألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 1975، وميدالية ثانية في الألعاب الإفريقية سنة 1978، وكان أيضا برفقة المدرب محي الدين خالف في كأس العالم التي احتضنتها إسبانيا سنة 1982. وبات من الضروري على السلطات تكريم هذه الشخصية الفذة، وإعطائها حقها كاملا حتى يكون قدوة لجميع الجزائريين المغتربين، الذين فضّلوا الدفاع عن ألوان بلدهم الأصلي دون المنتخبات الأخرى. زيدان الجزائري يهدي الكأس الغالية لفرنسا سيشهد التاريخ بأن أسطورة الكرة الفرنسية على مر السنوات دون منازع هو الجزائري الأصل زين الدين زيدان، الذي كان وراء تتويج فرنسا بلقبها العالمي الوحيد سنة 1998، ونيلها الوصافة في كأس العالم لسنة 2006. وسيدوّن التاريخ، أيضا، بأن فرنسا أقصيت من الدور الأول في كأس العالم لسنة 2002، بسبب عدم مشاركة زيدان في المباراتين الأولى والثانية بسبب معاناته من الإصابة، والتاريخ، أيضا، لا ينسى بأن فرنسا أقصيت أيضا من الدور الأول في كأس العالم لسنة 2010 بسبب عدم إيجاد الطاقم الفني لهذا المنتخب من طريقة تكتيكية جديدة في اللعب بعد اعتزال زيدان، حيث يعد هذا الأخير أبرز لاعب أنجبته الكرة الفرنسية، بفضل أدائه الباهر والرائع فوق الميادين، ما جعله يحظى باحترام جميع عاشقي الكرة المستديرة، حيث وبالرغم من كون زيدان لم يحمل قميص منتخب بلاده الأصلي، غير أنه ساهم في الكشف للعالم كله بأن الجزائر قادرة على إنجاب العمالقة. إنجازات زيدان الشخصية تمثلت في نيله للقب أفضل لاعب في العالم لثلاث مرات كاملة، ما جعله من الأسماء الهامة التي ساهمت في كتابة تاريخ الكرة العالمية. ومباشرة بعد اعتزاله الميادين، مع نهاية مونديال 2006، زار زيدان، في أكثر من مناسبة، بلده الأصلي الجزائر، وحظي باستقبال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان من الأوائل الذي وقفوا إلى جانب زيدان في رسالة تأييد له، مباشرة بعد تصرفه اتجاه المدافع الايطالي ماتيرازي في نهائي 2006، عندما عبّر له عن وقوف بلده الأصلي إلى جانبه رغم الحملة المسعورة التي كانت وراءها الصحافة الفرنسية، من خلال إطلاق الكثير من الشائعات ضده. ميمون عكاشة.. جزائري من ذهب رحل عن هذه الحياة، قبل أيام قليلة، أسطورة ألعاب القوى الجزائري– الفرنسي ميمون ولد عكاشة، المولود بتاريخ الفاتح جانفي من سنة 1921، ببلدية تلاغ التابعة إداريا لولاية بلعباس، حيث يعرف جيدا الفرنسيون هذا الاسم، لأنه رفع راية بلدهم بداية من أولمبياد لندن (بريطانيا) سنة 1948، وهلنسكي (فنلندا) سنة 1952، عندما تحصل على الميداليتين الفضيتين ضمن تخصص المسافات الطويلة 5000 و10000م. وبعدها انفجرت طاقات “آلان”، مثلما يحلو للفرنسيين مناداته دون اسمه العربي الأمازيغي، في أولمبياد “ملبورن” الأسترالية، بعد نيله اللقب الأولمبي في تخصص الماراطون بتوقيت قياسي قدره ساعتان و25 ثانية. ولم تتوقف إنجازات المحارب السابق في الجيش الفرنسي عند هذا الحد، بل تعدتها أكثر، من خلال نيله لأربع ميداليات ذهبية في الألعاب المتوسطية وتسعة وعشرين لقبا في مختلف المنافسات الوطنية الفرنسية. إبراهيم عسلوم رفع راية “الديكة” عاليا نجح الملاكم الفرنسي إبراهيم عسلوم، وهو من مواليد 31 جانفي سنة 1979، في مدينة بورجوا جاليو الفرنسية، من خطف الأنظار في السنوات الماضية على الحلبات العالمية، وصنع اسما له من ذهب في الفن النبيل. ومن أهم إنجازات هذا الملاكم الجزائري– الفرنسي تتويجه بالميدالية الذهبية في الألعاب الأولمبية التي جرت وقائعها في سنة 2000 بسيدني الأسترالية، في وزن الذبابة أمام المنافس الإسباني رافاييل لوزانو، وهو ما كان إنجازا عظيما بالنسبة للرياضة الفرنسية، التي لم يسبق لها التتويج أولمبيا في رياضة الملاكمة، منذ دورة برلين الألمانية سنة 1936. والأكثر من هذا، فإن عسلوم إبراهيم، الذي تعود أصول عائلته إلى مدينة بوسعادة ولاية المسيلة، حقق اللقب العالمي للهواة في الفترة الممتدة من سنتي 2007– 2009 بألوان “الديكة”. وشارك عسلوم في 26 منازلة احترافية، فاز في 24 منها، عشر منازلات كاملة بالضربة القاضية وانهزم فقط في منازلتين. وأعلن الملاكم عسلوم عن اعتزاله الرياضي في سنة 2009. وتوجه بعدها إلى ميادين أخرى، منها التمثيل السينمائي، وشارك في دور البطل لفيلم تاريخي كان من إخراج الفرنسي جاك وانيش، تطرق فيها لحياة الملاكم التونسي الفرنسي فيكتور يونكي، صاحب اللقب العالمي في الفن النبيل سنة 1931. لقب أولمبي فرنسي بقلب بوراس الجزائري المصارع جمال بوراس من الأسماء ذات الأصول الشاوية الجزائرية التي صنعت “المعجزات” لصالح الرياضة الفرنسية، من خلال نجاحه في نيل دولة “نابوليون بونابرت” لقب أولمبيا في رياضة الجيدو في الدورة التي احتضنها أتلانتا الأمريكية سنة 1996. والأكثر من هذا تتويجه بالميدالية الفضية في دورتين عالميتين لرياضة مصارعة الجيدو، ما جعله من أحسن الرياضيين الفرنسيين سنوات التسعينيات. وحاول المصارع بوراس مواصلة إنجازاته العالمية، لكن صدمته كثير من المشاكل، خاصة بعد إدانته من قِبل مخابر اكتشاف المنشطات لتناوله مواد محظورة، وتمت معاقبته بمنعه من ممارسة أي نشاط رياضي لخمسة عشر شهرا كاملا، وهو ما جعله يعلن مباشرة بعد نهاية الألعاب الأولمبية في سيدني سنة 2000 عن اعتزاله، بعد احتلاله المرتبة الخامسة في هذه الدورة. وحاول بعدها البطل الأولمبي، مع سنة 2007، دخول غمار الانتخابات المحلية في دائرة سان دوني، لكنه أقصي في الدور الأول، بسبب حصوله على عدد ضعيف من الأصوات على عكس باقي المنافسين، حيث وبالرغم من إنجازات بوراس المدوية لصالح العلم الفرنسي لكن ذلك لم يشفع له للحصول على منصب عضو بلدي، وهو ما جعله ينظم بعدها للجمعيات الخيرية التي تضم كثير من الرياضيين الفرنسيين المعروفين. بلفوضيل نموذجا لعقلية الجزائريين المغتربين تابع الجمهور الرياضي الجزائري، في الآونة الأخيرة، باهتمام كبير جدا، الاتصالات التي أجريت مع مهاجم نادي بارما الإيطالي إسحاق بلفوضيل حول إمكانية تقمصه ألوان “الخضر”، في المنافسات القارية والدولية القادمة، حيث كان ابن مدينة مستغانم دائما ما يتحجّج في السابق بكثير من الأسباب الواهية لعدم تلبية النداء الوطني، وهذا لكونه كان يرغب في توجيه الدعوة له من قِبل المنتخب الفرنسي الأول، بدليل مشاركته بألوان هذا المنتخب ضمن الأصناف الصغرى الشبانية، ولكن ذلك لم يحصل، ليراجع المعني قراره ويعلن موافقته النهائية للعب مع المنتخب الجزائري، خاصة بعد قطع أشبال المدرب حاليلوزيتش أشواطا هامة في الاقتراب من التأهل إلى مونديال البرازيل 2014، وهو ما يدل على أن الجزائريين المغتربين، خاصة في فرنسا، دائما ما يفضّلون أولا المنتخب الفرنسي وفي المقام الثاني البلد الأصلي الجزائر، لعدة أسباب تعود بالدرجة الأولى إلى الشهرة ومستقبلهم الرياضي. دومينيك “العنصري” يقدّم خدمة جليلة أظهر المدرب السابق للمنتخب الفرنسي، ريمون دومينيك، وجها “عنصريا” لكل ما هو مغاربي أو جزائري، عند إعداده القائمة النهائية للاعبين المعنيين بالدفاع عن ألوان المنتخب في مونديال جنوب إفريقيا سنة 2010، عندما حذف اسمي المهاجم بن زيمة وصانع الألعاب ناصري دون أسباب فنية مقنعة، وذلك مادام أن هذين اللاعبين ينشطان في أقوى الفرق العالمية ويمتلكان إمكانات فنية وبدنية لا نقاش فيها حسب كثير من المتتبعين، وهو ما كان سببا في خروج المنتخب الفرنسي في الدور الأول من هذه المنافسة العالمية، باحتلاله المرتبة الأخيرة في المجموعة الأولى، خاصة مع إضراب اللاعبين ومعارضتهم لبقاء هذا المدرب بسبب عقليته العنصرية. حيث قدّم دومينيك، المقال من منصبه، خدمة جليلة للجزائر، من خلال إظهار حقيقة الفرنسيين الأصليين الذين يعتبرون اللاعبين المغتربين “مواطنين من الدرجة الثانية”، ومن ثم فإن اللاعبين المغتربين الشبان سيفكّرون مستقبلا بطريقة جدية قبل اختيار المنتخب الذي سيلعبون له، سواء لصالح منتخب البلد الأصلي أو فرنسا. كتابة الدولة للجالية مطالبة بوضع آليات واقعية باتت كتابة الدولة المكلفة بالجالية الجزائرية في الخارج مطالبة بوضع آليات واقعية للاستفادة من المغتربين، سواء في فرنسا أو بقية البلدان، وهذا ليس فقط في المجال الرياضي، وإنما في جميع الميادين، لأن الجزائر ليست مستعدة، مرة أخرى، لتضييع أبنائها المتألقين ممن يستطيعون كتابة التاريخ مثل اللاعب زين الدين زيدان، حيث من الضروري جدا على هذه الهيئة الوطنية إيجاد سياسات تجعل أبناء المغتربين متعلقين بوطنهم الأم، مثل تشجيع فتح أكبر عدد من المدارس الجزائرية الخاصة في الدول الأوروبية، وإضافة إلى هذا إحصاء ومتابعة أبناء المغتربين ممن تظهر عليهم علامات النجاح والتألق في أعمار سنية مبكرة في جميع الميادين، لأن الجزائر بحاجة إلى جميع أبنائها لتحقيق التطور المنشود.