المشكلة أكبر من أن تقضي عليها تعليمة حتى ولو كانت صادرة من الوزير الأول، خاصة أن للبيروقراطية عدة وجوه من أبسطها والمتمثلة في صعوبة استخراج أي وثيقة، إلى أكثرها تعقيدا كمثل إجراء تعيينات على مستوى البلديات تزيد من صعوبة تسييرها، ومنذ أن أصدر سلال تعليمته الشهيرة، يحث فيها المسؤولين على تسهيل حياة المواطنين في الإدارات، لا شيء تغير فالأخطبوط أكبر من أن تقضي عليها تعليمة. وجه جديد للبيروقراطية تعيين مراقبين ماليين في مقر الولايات عقد تسيير البلديات الإجراء عطل المشاريع التنموية وسبب في تأخر صرف أجور الموظفين عجزت مصالح وزارة المالية عن تنصيب مراقب مالي في كل بلدية تطبيقا لتعليمة أحمد أويحيى الصادرة في 2009 بسبب نقص التأطير، واكتفت بتعيين مراقبين ماليين على مستوى بلديات عواصمالولايات وبلديات مقر الدائرة يتولون الرقابة السابقة على النفقات، ما تسبب في تعطل المشاريع التنموية وحتى دفع أجور الموظفين في موعدها المحدد. لم تتوقع وزارة الداخلية والجماعات المحلية أن يكون قرار تعيين مراقب مالي في بعض البلديات فقط قرارا خاطئا فحسب، بل زاد من متاعب البلديات بدل أن يسهل من مهمة تسيير مواردها المالية، فنقص التأطير وتعيين مراقبين ماليين في مقرات الدوائر والولايات لم يحل المشكلة بل على العكس تماما. فعلى سبيل المثال لا الحصر يتولى 5 مراقبين ماليين في ولاية الجزائر مراقبة النفقات على مستوى 57 بلدية بولاية الجزائر، ونفس الوضع تقريبا تعرفه قسنطينة وعنابة ووهران. هذا الوضع دفع كل مراقب مالي إلى مواجهة عدة مشكلات، منها عدم تصديقه على ”بطاقات الالتزام” لورود أخطاء فيها، حيث تعاد إلى مصالح البلدية ويتطلب تصحيحها أشهرا ما يؤخر إنجاز الكثير من المشاريع وتسوية الكثير من الوضعيات المالية مع المتعاملين. ووقف هؤلاء المراقبون على حقائق مذهلة أهمها عدم تحكم مجمل البلديات في تقنيات المحاسبة العمومية، ما صعب عليهم إجراء أي عملية تطهير مالي خصوصا لوضعيات تعود إلى عهد المجالس البلدية السابقة، كما اكتشف هؤلاء المراقبون أن معظم البلديات عاجزة عن إعداد الميزانية الخاصة بها، بينما تجد أخرى صعوبات في إنجاز مخطط تسيير مواردها البشرية، فيما تجاوزت بلدية الجزائر الوسطى هذا الإشكال بفضل التنسيق بين مصالح البلدية والمراقب المالي الذي تم تنصيبه في 2011 وسمح بالتسيير المحكم لحساباتها المالية. من جهتهم يشتكي رؤساء البلديات من أداء المراقب المالي ووصفه بالبطيء والبيروقراطي، فمنذ تنصيبهم مابين 2011 و2012 وبداية العام الجاري أصبحت أجور الموظفين تعرف تأخرا في صرفها، ونفس الشيء بالنسبة للمستحقات المالية للمقاولين، والنتيجة يقول هؤلاء تراجع إقبال الشركات ومؤسسات الإنجاز والخدمات على المناقصات التي تطرحها البلديات بسبب تأخر تأشيرة المراقب المالي، حيث لا تتم إلا بعد التأكد من توفر ميزانية خاصة بتلك المشاريع، كما أن القانون المسير للبلديات يمنع تنفيذ مشاريع جديدة بالنسبة للبلديات التي لها ديون تفوق ميزانيتها. ووفقا للمرسوم التنفيذي والمتعلق بالرقابة السابقة للنفقات التي تطبق على ميزانية البلديات تدريجيا، فإن المراقب المالي سيتولى رسميا تسير ميزانية البلدية والتأشير على كل المشاريع التي تنوي البلدية إنجازها. ووفق هذا الإجراء، لا يحق لرئيس المجلس الشعبي البلدي شراء أي مستلزمات مستعجلة في البلدية أو إطلاق مشروع دون أن يتوفر على ميزانية إلا بموافقة المراقب المالي. ويعد المراقب المالي في إطار الرقابة الملائمة تقريرا حول ظروف تنفيذ الميزانية كل 3 أو 6 أشهر، مع إخضاع مشاريع القرارات والمتضمنة الالتزام بالنفقات لتأشيرة المراقب المالي قبل التوقيع عليها.