تعد أكلة “الطبيخ” من الأطباق التقليدية القديمة، التي تستثنى بها عاصمة الشرق، واستحوذت على مكانة مرموقة بالنظر إلى شيوعها واستحبابها من قبل السكان الأصليين لسيرتا منذ القدم، إلا أن هذه الأخيرة لم تنتشر في باقي الولايات المجاورة ولم تتجاوز حدود المدينة ولم تجد من يتوارثها، على غرار التليتلي والشخشوخة، التي أصبحت تحضر على مختلف الموائد الرمضانية الوطنية. أكلة “الطبيخ” التي تجمع ما بين الذوقين المالح والحلو، تصنع بطريقة سهلة وتؤكل باردة، حيث يحضّر مرقها بلحم البقر وتنكّه بماء الورد المقطّر بالطريقة التقليدية، ثم يصفى مرقها تماما وتترك للمبيت ليلة كاملة، ليضاف لها فيما بعد العسل وماء الورد مرة أخرى لتعطيره وتطييبه إلى جانب السكر والعسل وتطهى على نار هادئة حتى تتماسك ويتغيّر لونها وتزيّن بعدها بالمكسرات، أولاها اللوز. وقد كان الطبيخ يتربع في صينية “السماط” بالأعراس القسنطينية، وهي عادة محلية عبارة عن وجبة يختم بها العرس، والمتكونة من الفواكه الموسمية، الشريك إلى جانب “المحلبي” و"الفلان” والتي كان يعوّضها الطبيخ بدرجة أولى، إلا أنه فقد بريقه مع مرور السنوات وأصبح نادرا ما يحضّر ويعوّض بالكريمات الدخيلة، وهو نفس الأمر الذي سيحل بالمحلبي الذي أصبح هو الآخر في طريق الانقراض. وقد أكدت لنا بعض العارفات بالطبخ الجزائري القسنطيني، أن تاريخ صنع هذا الطبق اللذيذ يعود تاريخه إلى عهد الدايات والبايات ،وكان معشوقا من قبل الأسر الحاكمة في قسنطينة في السهرات، وتم توارثه لسنوات، إلا أنه ضاع مع الأكل السريع وأصبح مجهولا لدى القسنطينيات، خاصة وأن طريقة عمله تستحبّ الإتقان.