الحجّ من أفضل الأعمال بعد الإيمان، وأنّه لون من ألوان الجهاد في سبيل الله. وقد سُئل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيُّ العمل أفضل؟ فقال: ”إيمان بالله ورسوله”. قيل: ثمّ ماذا؟ قال: ”جهاد في سبيل الله”. قيل: ثمّ ماذا؟ قال: ”حجّ مبرور” رواه البخاري، وعن عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها قالت: يا رسول الله نرى الجهادَ أفضلَ العمل، أفلا نجاهد؟ قال: ”لا، ولكن أفضل الجهاد حجّ مبرور”. لقد بشَّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مَن حجّ واجتنب المحظورات ظاهرًا وباطنًا بغفران ذنوبه فقال: ”مَن حجّ فلم يرفُث ولم يفسُق رَجَع من ذنوبه كيوم ولدته أمّه” رواه البخاري، وقال صلّى الله عليه وسلّم: ”والحجّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنّة”. والحجّ المبرور هو المقبول الذي راعى فيه صاحبه شروط صحّة العمل وشروط قبوله من إخلاص العمل لله تعالى، ومتابعة هدي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، واجتناب الآثام والأوزار والفسق والرّفث. ومن علامات هذا الحجّ المبرور أن يرجع الحاج خيرًا ممّا كان وأن يترك ما كان عليه من التّفريط والتّقصير والمَعاصي، وأن يُبدِّل بإخوانه العُصاة، إخوانًا صالحين، وبمجالس اللّهو والغفلة، مجالس الذِّكر واليقظة. والإخلاص من أصعب الأحوال، وأشقّ الأعمال خاصة إذا كان العمل باديًا ظاهرًا لا يستطيع المرء أن يخفيه كالحجّ، فالمسلم قد يصوم يومًا في سبيل الله لا يشعر أحد من النّاس بصومه، وقد يصلّي في جوف اللّيل في بيته لا يشعر به أحد، ولكنّه لا يستطيع أن يحجّ بيت الله الحرام دون أن يشعر به أحد، ومن هنا كان الجهد المبذول لتحقيق الإخلاص في الحجّ وفي سائر الأعمال الظّاهرة مضاعفًا ممّن وفّقه الله وهداه. ولهذا كان ديدن الصّالحين إظهار الزُّهد والتّقشّف في الحجّ، والتّعبُّد لله عزّ وجلّ بالتذلّل وإظهار الفاقة لله عزّ وجلّ، وقد أثر عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه حجّ على رحلٍ، ورُوي أنّه قال: ”اللّهمّ حجّة لا رياء فيها ولا سمعةً” رواه ابن ماجه. وعن البخاري عن ثمامة بن عبد الله بن أنس قال: حجّ أنس على رحل، ولم يكن شحيحًا، وحدَّث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجّ على رحل وكانت زاملته” رواه البخاري. [«ولم يكن شحّيحًا” أي أنّه فعل ذلك تواضعًا منه واتباعًا، لا عن قلّة، ولا عن بخل]. كما أنّه لا يُمكن للحاج أن يُحّقق البِرَّ في الحجّ إلاّ بتحرّي الإخلاص وحُسن متابعة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله وفعله، وأن يسعى لتحقيق معنى كلمة ”لبّيك اللّهمّ لبّيك” التي ردّدها ورفع بها صوته طيلة أيّام الحجّ. وتحقيق هذه الكلمة يكون أوّلاً بفهم معناها، فهي كلمة استجابة لمَن تُحبّ ومَن ترغب وترهب وتعظّم إذا دعاك أو ناداك، فتُسارع بالإجابة قائلا ”لبّيك”. وإنّ أعظم ما في الحجّ أن يعتاد المسلم الاستجابة لله عزّ وجلّ وللرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} الأنفال: 24. فالتمس أسباب المغفرة بعد الحجّ، لأنّ الحجّ المبرور من أعظم أسباب مغفرة الذّنوب، قال عليه الصّلاة والسّلام: ”فمَن حجّ فلم يفسُق ولم يرفُث رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمّه”. واحرِص على الاستغفار فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يكثر من التّوبة والاستغفار ويقول: ”ربّ اغفر لي وتُب عليّ إنّك أنت التّواب الغفور”. مائة مرة. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} آل عمران:135-136.