ثبت عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: “والحجّ المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنّة” رواه البخاري، فمغفرة الذّنوب بالحجّ ودخول الجنّة مُرتّب عن كون الحجّ مبرورًا. الحجّ المبرور هو ما استوفى أحكام الحجّ، وتعمّق أثره في نفس الحاج على الوجه الأكمل، وليس الأمر في الوُصول إلى الكمال، بل مناشدة الكمال قدر الاستطاعة، ويحكمون الحجّ المبرور باجتماع أمور، أوّلها، إخلاص العمل لله والمتابعة لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، فإنّ الله لا يَقبَل من العمل إلاّ ما كان خالصًا وابتُغِيَ به وجْهُه، ولتحذر كل الحذر من أيّ نية فاسدة تنافي الإخلاص وتحبط العمل وتذهب الأجر والثّواب، كالرِّياء والسُّمعة وحبّ المَدح والثناء، قال صلّى الله عليه وسلّم: “اللّهمّ حجّة لا رياء فيها ولا سمعة” أخرجه ابن ماجه. واحرص على أن تكون أعمال حجِّك موافقة لسُنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولَن يتحقّق لك ذلك إلاّ بأن تتعلّم مناسك الحجّ وواجباته وسننه، وصفة حجّه صلّى الله عليه وسلّم، كما ورد في حديث جابر رضي الله عنه صلّى الله عليه وسلّم قال: “لتأخذوا مناسككم فإنّي لا أدري لعلّي لا أحجّ بعد حجّتي هذه” أخرجه مسلم. وكذلك الإعداد وتهيّئة النّفس قبل الحجّ، وذلك بالتّوبة النّصوح، واختيار النّفقة الحلال والرّفقة الصّالحة، وأن يتحلّل من حقوق العباد، إلى غير ذلك ممّا هو مذكور في آداب الحجّ. ومن علامات الحجّ المبرور، الحِرص على أداء الصّلوات المفروضة جماعة في أوقاتها وفي المساجد الّتي أذن الله أن تُرفَع ويُذْكَر فيها اسمه، ولاسيما المسجد الحرام، والمسجد النّبويّ الشّريف، فالصّلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في غيره، والصّلاة في المسجد النّبويّ أفضل من ألف صلاة، كما جاء عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهذا أجرٌ عظيم. واعْلَم أنّ ممّا يتحقّق به الحجّ الاستكثار من أنواع الطّاعات، والبُعد عن المعاصي والمخالفات، فقد حثّ الله عباده على التّزوُّد من الصّالحات وقت أداء النُّسك، فقال سبحانه وتعالى في آيات الحجّ: “وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمُهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى” البقرة:197، ونهاهم عن الرّفث والفسوق والجِدال في الحجّ، فقال عزّ وجلّ: “الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وِلاَ جِدَالَ فِي الَحَجِّ” البقرة197، وقال صلّى الله عليه وسلّم: “مَن حجّ هذا البيت فلَمْ يرفُث ولم يفسُق رَجَعَ كَيَوْمِ ولدْتُه أمُّه” متفق عليه. ومن الأمور الّتي تُعين العبد على أن يكون حجّه مبرورًا، طيب المعشر، وحُسن الخُلق، وبذل المعروف، والإحسان إلى النّاس بشتى وجوه الإحسان، من كلمة طيّبة أو إنفاق للمال أو تعليم لجاهل أو إرشاد لضال أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، وقد كان سيّدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: “إنّ البّرّ شيء هيّن، وجه طليق وكلام ليّن”. وأكْثِر من الأعمال الصّالحة من تلاوة القرآن مع تدبّر للآيات وذِكر الله والدُّعاء، والطّواف بالبيت، والاستغفار، والتّوبة الصّادقة، والإنابة والرّجوع إلى الله تعالى، والتّلبية ورفع الصّوت بها، والصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر، والتعرّف على إخوانك في الله، فالحجّ فرصة عظيمة للتّعارف والتّآخي، فعليك باغتنام هذه الفُرصة لعلّ الله يستجيب لك ويقبل منك. ومِن علامات الحجّ المبرور أن يستقيم المسلم بعد حجِّه فليزم طاعة ربّه، ويكون بعد الحجّ أحسن حالاً منه قبله، فإنّ ذلك من علامات قبول الطّاعة، قال بعض السّلف: “علامة بِرّ الحجّ أن يزداد بعده خيرًا، ولا يعاود المعاصي بعد رجوعه”، وقال الحسن البصري رحمه الله: “الحجّ المبرور أن يرجع زاهدًا في الدّنيا، راغبًا في الآخرة”.