لماذا أقامت الهند الدنيا ولم تقعدها ومنعت الكحول والمواد الغذائية عن سفارة أمريكا بنيودلهي، ردا على تفتيش شرطة نيويورك دبلوماسية هندية والتحقيق معها وهي “عارية”، بينما تصمت الجزائر على “إهانات” فرنسا المتوالية، أبرزها ذراع الشرف لوزير الدفاع جيرار لانغي ونكتة هولاند الأخيرة؟ أعتقد، وقد أكون مخطئا، أن صمت الجزائر الرسمية إزاء الابتزاز الفرنسي على مختلف الأصعدة وعلى مدار الخمسين سنة الماضية، هو صمت مرتبط بأرشيف ثورة الجزائر. هذا الأرشيف أخذته فرنسا بوصفه “أرشيفا وطينا” وسرا من أسرار الدفاع لدولة فرنسا الاستعمارية، ولمن لا يعرف، فهذا الأرشيف يوجد في مقاطعة “إكس أون بروفانس” قرب مارسيليا، ويبلغ طول المادة الأرشيفية الورقية لتاريخ الجزائر بالكيلومترات، كما يحتوي الأرشيف على ما لا يقل عن 100 ألف صورة منذ البدايات الأولى للاحتلال وإلى غاية مغادرة رجل آخر جندي فرنسي لسواحل الجزائر، وقد قامت “الخبر” بإجراء روبورتاج ثري عن مقر الأرشيف هذا في وقت سابق. لنعد الآن إلى مربط الفرس، حيث أن أرشيف ثورة تحرير الجزائر من 1954 إلى 1962 هو الأرشيف الأكثر سرية لدى السلطات الفرنسية، وهو الملف الملغم الذي تمارس به فرنسا الابتزاز في حق الجزائر الرسمية. وليس سرا أن مؤرخين وسياسيين كثر تحدثوا عن قوائم ل«خونة” بمفهوم الثورة تقلدوا مسؤوليات بعد الاستقلال. وليس سرا أيضا أن التصفيات الجسدية في الثورة لها “أثر” في أوراق الأرشيف الذي تحتفظ به فرنسا. وهنا، يصبح مفهوما لماذا بقيت فرنسا تمارس الأبوية على الجزائر، وتحافظ على مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية، طول هذه المدة. والمقصود أن فرنسا تستطيع في يوم واحد قلب الطاولة على بعض المسؤولين الجزائريين مهما كان موقعهم، بمجرد نشر وثيقة واحدة من سوابقه التاريخية. مع العلم أن أغلب مسؤولي الجزائر اليوم يفوق سنهم السبعين. إذا وضحت هذه الفكرة، لنستعرض السبب الآخر وراء صمت الجزائر الرسمية في عهد بوتفليقة، وهو صمت يعود برأيي (لا أفضل الخوض فيما لا أعلم) إلى أن الرجل لا يحب مقابلة الإحسان بالإساءة، فهل نتوقع مثلا أن يحتج بوتفليقة على هولاند بعد “مزية” العلاج في مستشفى فال دوغراس العسكري بباريس؟ كما أن بوتفليقة يحفظ دروس التاريخ جيدا، فقد خانه الحظ عندما طالب عام 2005 باعتذار فرنسا على جرائم الاستعمار، لكن للأسف وجد نفسه بعد مدة قصيرة وخلال السنة ذاتها، ممددا على سرير بين أيدي أطباء فرنسيين في مستشفى فال دوغراس يعالجونه من قرحة في المعدة. أقول رأيي في الأخير: الجزائر الرسمية لم تتحرر بعد من فرنسا وربما نحتاج إلى نصف قرن آخر لنستطيع قول “لا” في وجه فرنسا. [email protected]