إن أهم أسباب الأزمة السياسية التي تعيشها الجزائر في الحاضر هي التغييب القسري للجماهير عن المشاركة في تقرير المصير اليومي وفي صياغة حاضرها ومستقبلها، إذ تبدأ عملية التغيب هذه بالتعتيم الذي تستعمله السلطة السياسية لإخفاء ممارستها السياسية وتهميش المواطن حتى تتجنب النقد الآتي من المثقفين والانتقاد الآتي من “الناس”، أي من طرف الأغلبية الصامتة والصابرة. ومثل ذلك، مسار مرض رئيس الجمهورية الذي يسيطر على المناخ العام للبلاد ويصبح الحديث الأساسي والكلام اليومي بما تحمله كل هذه الأمور الغامضة من إشاعات وخرافات وحقائق معكوسة أو “مقلوبة”، فهذا يسقط الإنسان الواعي سياسيا في فخ المبالغة وأزمة ضمير تجعله يفقد وعيه ويخرج من منطق التخليل العلماني، فيلجأ إلى الاعتصام في نوع من العدم الفكري نكالا فيه أولا، ثم نكالا في السلطة السياسة التي تمنعه من إعادة إنتاج مقومات هذه المحنة. إن الثقافة بعد من أبعاد السلطة كل السلطة، ولهذا فإن القول بالثنائية الضدية الاستبعادية أو الثنائية التوفيقية بين “الناس” والسلطة، لا يفضي إلى تغييب الحقيقة والنزاهة والثقة التي هي أساس علاقة السلطة والمواطن والركيزة التي يعتمد عليها المجتمع للأخذ بزمام أموره في جو صحي وفي مناخ انتعاشي. فمنذ الاستقلال (وقبل الاستقلال كذلك) والصمت يسيطر على ثقافتنا السياسية حتى أثر سلبيا في الرجال الذين يحكمون هذا البلد الطيب، كما أثر سلبا في الرجال الذين ينتقدون السلطة كذلك. لكن الصمت عدوى رهيبة تشل كل الأمور الكبيرة والصغيرة منها، السياسة والاجتماعية منها، الموضوعية والذاتية منها. فاختلطت الأوراق وبقي الجزائري كذلك الإنسان الذي بهت فكفر. كل العالم يعلم أن رئيس الدولة الجزائرية مريض، ولا نعلم نحن المواطنين بدقة ما هو هذا المرض؟ وما هي حالة الرئيس اليوم؟ لا نعرف شيئا إلى حد أننا نرى في هذه السلطة كيانا يلعب دور الجلاد ودور الضحية في نفس الوقت. فنشعر ليس فقط بالغضب، بل نشعر كذلك بالشفقة والرأفة تجاه هذا الرجل المريض، وتجاه هذا الوطن المريض..كذلك!