ما هي خلفيات سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من قطر؟ ما حصل من سحب ثلاثة سفراء خليجيين من قطر ليس سوى حدث طارئ لا يؤثر على العلاقات بين البلدين لمدة طويلة، ولا أستبعد أن تعود هذه العلاقات إلى سابق عهدها بعد شهر أو شهرين من الآن، لأن دول الخليج بما فيها قطر لديها نفس الهواجس الأمنية، وما يجمعها أكثر مما يفرقها، ومواقف السعودية والإمارات على وجه الخصوص يعكس مخاوف الدولتين من تنامي ظاهرة الإخوان المسلمين خاصة في مصر ودول الربيع العربي، وسعيهما لاحتواء هذه الظاهرة لأنها مرتبطة بترتيبات داخلية، أما قطر فلديها تصور آخر تسعى من خلاله إلى احتواء الإخوان. وهل تباين المواقف بشأن الوضع في مصر هو الذي يدفع هذه الدول الثلاث إلى اتخاذ مثل هذا الموقف من قطر؟ الملف المصري لا يمكنه أن يؤدي إلى قطيعة بين هذه البلدان الثلاثة وقطر، لأن الوضع في مصر قابل للتطور، فقد تحسم الأمور لصالح ما تريد السعودية والإمارات والبحرين في مصر، كما يمكن أن تؤول الأمور تجاه الموقف القطري، لأن هناك مراوحة في مصر، فلم ينتهِ الإخوان بشكل أساسي حتى نقول إن الخلافات بين الدول الخليجية وصلت إلى نقطة حادة، فسحب السفراء الثلاثة من الدوحة شكل من أشكال ممارسة الضغط على قطر لدفعها إلى تغيير مواقفها، لأن القواسم المشتركة بين هذه البلدان أكبر من هذه الاختلافات. البحرين دولة صغيرة جدا وليس لها مشاكل مع الإخوان بقدر ما لديها مشاكل مع الشيعة، فما الذي دفعها للتضامن مع السعودية والإمارات في هذا الموقف؟ البحرين تبدي حساسية كبيرة للتغطية الإعلامية للجزيرة وإشكالية التوازن بين الشيعة والسنة، فالبحرين أكثر دولة خليجية مرشحة لتغيير نظام الحكم فيها، لذلك فردود الفعل البحرينية من موجة الشعوب العربية المطالبة بالحرية تعتبر بأنها تشكل تهديدا لها. هل رفض قطر لجم قناة الجزيرة القطرية عن فتح أبوابها للمعارضة في الوطن العربي أحد أسباب هذه الأزمة الدبلوماسية؟ كل نظام حكم عربي متحفظ من الجزيرة، وقطر تستعمل قناة الجزيرة كقوة ناعمة باعتبارها دولة صغيرة من حيث المساحة وعدد السكان، لذلك توظف الإعلام كوسيلة من وسائل التأثير في المنطقة العربية وحتى الدولية، فقطر تعوض عوامل النقص البنيوية (قلة عدد السكان وصغر المساحة) من خلال استغلال الوسائل المتاحة لديها كالإعلام مثلا، أما السعودية وبفضل وزنها الإقليمي فليست بحاجة إلى الإعلام بالشكل الموجود في قطر، والدول العربية بحكم طبيعة نظمها لا يمكنها أن تترك مساحة كبيرة للمعارضة وللرأي الآخر في إعلامها. هل يمكن لتلك الضغوط أن تغير السياسة التحريرية لقناة الجزيرة تجاه السعودية والإماراتية؟ لا أتصور أن سحب السفراء سيدفع قطر إلى تغيير السياسة التحريرية، حيث سبق لعدة دول عربية أن سحبت سفراءها من الدوحة وأغلقت مكاتب الجزيرة لديها مثلما فعل المغرب في وقت سابق، وحتى الولاياتالمتحدةالأمريكية لديها حساسية من قناة الجزيرة، فهذه حالة طارئة (مؤقتة) ولن يؤثر على الخط التحريري لقناة الجزيرة لأنه خيار استراتيجي بالنسبة لقطر وليس تكتيكا، بحيث تعتبر الجزيرة بالنسبة لقطر أداة تكتيكية للتأثير في العالم الذي اكتشف قوة الإعلام، ما سيقنع عدة دول بالاستفادة من الإعلام في التنمية والتأثير.