عطاف يستقبل سفيرة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية    الوادي: مشاركة 120 عارضا في الطبعة ال8 لصالون الدولي للفلاحة الصحراوية "أقرو سوف 2024"    ربيقة يواصل لقاءاته    هيئة وسيط الجمهورية تُقيّم خدماتها    عطّاف: العالم يعيش حالة عدم يقين    هذا جديد برنامج عدل3 ..    عجال يبحث تعزيز الشراكة مع جنرال إلكتريك فرنوفا    استباحة سوريا لضمان الأمن الإسرائيلي    8500 رضيع في خطر بغزّة    هذه مُقاربة الجزائر لمعالجة ظاهرة الحرقة    رونالدو الظاهرة ينوي خوض تحد جديد    لوكمان أفضل لاعب إفريقي    وضع حجر الأساس لإنجاز عدة مشاريع تنموية    اتّخاذ عدّة تدابير بشأن تسيير ورشات البناء بعنابة    اللغة العربية والتنمية محور ملتقى دولي    68 عاماً على تأسيس الإذاعة السرية    استشهاد 12 فلسطينيا في قصف لجيش الاحتلال الصهيوني على شمال ووسط قطاع غزة    منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتصويت الجمعية العامة لصالح مشروع قرار يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره    استئناف أشغال مؤتمر الإسكان العربي الثامن بالجزائر العاصمة    تفعيل آلية الإخطار البرلماني يعكس تطورا إيجابيا في منظومة الرقابة في الجزائر    نقل بحري:تأجيل رحلة الجزائر-مرسيليا من الخميس إلى الجمعة بسبب سوء الأحوال الجوية    سلطات الاحتلال المغربي تواصل تضييق الخناق على وسائل الإعلام الصحراوية    قسنطينة توقيف شخص وحجز كمية من المخدرات الصلبة والمؤثرات العقلية    محتالون يستهدفون المسنين لسلب أموالهم    مستحضرات التجميل تهدد سلامة الغدة الدرقية    الرئيس تبون جعل السكن حقّا لكل مواطن    الرابطة الأولى موبيليس - تسوية الرزنامة: شبيبة القبائل ينفرد مؤقتا بالصدارة وشباب بلوزداد يواصل سلسلة النتائج الايجابية    الشروع في إنجاز سكنات "عدل 3" قريبا    طلبة مدرسة الدرك الوطني في زيارة للمجلس الشعبي الوطني    رفع مذكرات إلى رئيس الجمهورية حول قضايا وطنية هامة    إعادة إطلاق إنتاج أغذية الأسماك في 2025    إعادة فتح النظام المعلوماتي لتصحيح أخطاء حجز العلامات    شياخة: هذا ما قاله لي بيتكوفيتش واللعب مع محرز حلم تحقق    "الوزيعة"عادة متجذّرة بين سكان قرى سكيكدة    والي تيارت يأمر بوضع المقاولات المتقاعسة في القائمة السوداء    "الكاف" تواصل حقدها على كل ما هو جزائريٌّ    صيود يسجل رقما وطنيا جديدا في حوض 25 متر    لقاء السنطور الفارسي بالكمان القسنطيني.. سحر الموسيقى يجمع الثقافات    تأسيس اتحاد الكاتبات الإفريقيات    حكايات عن الأمير عبد القادر ولوحاتٌ بألوان الحياة    توقيف مروّج كيفٍ بالمطمر    نجاح الانتخابات البلدية في ليبيا خطوة نحو استقرارها    اليوم العالمي للغة العربية: افتتاح المعرض الوطني للخط العربي بالمتحف الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط بالعاصمة    "اللغة العربية والتنمية" محور ملتقى دولي بالجزائر العاصمة    المالوف.. جسر نحو العالمية    الاتحاد يسحق ميموزا    سوريا في قلب الاهتمام الغربي    حرمان النساء من الميراث حتى "لا يذهب المال إلى الغريب" !    تصفيات مونديال 2026 : بيتكوفيتش يشرع في التحضير لتربص مارس    اتفاقية تعاون بين كلية الصيدلة ونقابة المخابر    خطيب المسجد الحرام: احذروا الاغترار بكرم الله وإمهاله    90 بالمائة من أطفال الجزائر مُلقّحون    الجوية الجزائرية تعلن عن تخفيضات    التوقيع على اتفاقيات مع مؤسّسات للتعليم العالي والبحث العلمي    باتنة : تنظيم يوم تحسيسي حول الداء المزمن    الصلاة تقي من المحرّمات وتحفظ الدماء والأعراض    كيف نحبب الصلاة إلى أبنائنا؟    أمنا عائشة رضي الله عنها..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايتي مع "مائة عام من العزلة"
نشر في الخبر يوم 24 - 04 - 2014

ما من روائي شغلني وأدهشني وجعلني لصيقا بعوالمه الأدبية، مثل غابرييل غارسيا ماركيز. اكتشفته صدفة في عز صيف سنة 1986، وأنا دون العشرين من العمر. مر بحينا سائح فرنسي، تعطلت دراجته النارية، فساعدناه على إصلاحها. في الأخير، أخذ كتابا، وخاطبنا قائلا: ”ليس لدي ما أهديه لكم مقابل مساعدتكم لي، سوى هذا الكتاب”. أعطاه لأحد رفاقي الذي منحني إياه بدوره. أخذت الكتاب سعيدا وقرأت عنوانه ”مائة عام من العزلة” لروائي أجهله تماما، هو الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز. وعلى الغلاف صورة بيت صغير داخل أدغال استوائية.
كنت حينها مرتبطا حد الهوس بارنست همنغواي وأونوريه دو بلزاك. دخلت غرفتي، وكنا عند غروب الشمس، وقرأت إلى ساعة متأخرة دون توقف. قرأت بحمى، وأنا أكتشف عوالم قرية تدعى ”ماكوندو”. قرأت مصابا بالدهشة، فترسخت في ذاكرتي هذه الجملة الشهيرة: ”بعد سنوات طويلة، وأمام فصيلة الإعدام، سيتذكر الكولونيل اوريليانو بوينديا ذلك المساء البعيد الذي أخذه فيه أبوه للتعرف على الجليد. كانت ماكوندو آنذاك قرية من عشرين بيتاً من الطين والقصب، مشيدة على ضفة نهر ذي مياه صافية، تنساب فوق فرشة من حجارة مصقولة، بيضاء وكبيرة، مثل بيوض خرافية”. (الترجمة لصالح علماني)
وجدت نفسي أمام عوالم غريبة. رجل يدعى خوسيه أركاديو بوينديا، يغادر مسقط رأسه رفقة زوجته أورسولا ايغوران، فرارا من شبح صديق قتله إثر مبارزة شرف، فيؤسس قرية تدعى ”ماكوندو” وسط الأدغال الكولومبية النائية والممطرة.
قرأت الرواية وأنا أمام حالة من التدهور البطيء لعائلة بوينديا التي أنهكتها الحروب الأهلية وأصابتها اللعنة، وانتهى بها الأمر إلى العزلة، واختفاء قرية ”ماكوندو” برمتها إثر عاصفة مدمرة. لقد عثرت على رواية مليئة بالتفاصيل العجيبة والسحرية. طفل يكتشف الثلج لأول مرة. فصيل الإعدام. غجري (ملكيادس) يتنبأ بزوال أسرة بوينديا وبلدة ماكوندو. أطفال يولدون ونصفهم حيوان. وفتاة (هي ربيكا) تسير حاملة معها حقيبة قماش تحتوي على عظام والدها، وعادة غريبة هي أكل التراب. حرب أهلية على مدى سنوات طويلة طويلة، بين المحافظين والليبراليين. شركة الموز الأمريكية. شخصية ”بيلار تيرينا” التي كانت عشيقة في نفس الوقت للأخوين ”أوريليانو” و”خوزيه أركاديو”، وأنجبت ولداً من كليهما حملا ذات الاسمين ”أوريليانو” و”خوزيه أركاديو”، وكانت قارئة كفّ ممتازة، وعاشت مائة وخمسة وأربعين عاماً، وكانت قريبة من معظم أفراد الأسرة على مدى الرواية، تساعدهم في نبوءاتها من خلال الكفّ ولاحقاً من خلال أوراق اللعب.. وغيرها من اللحظات التي وضعت الرواية ضمن تيار الواقعية السحرية، والتي تجعل القارئ يسبح بين الواقعية والخيال.
لقد خلقت الرواية لدي شعورا بالانتماء إلى شخصوها، من حيث تكرار أخطاء عائلة بوينديا، ومسألة ”العود الأبدي”. كما وجدت في الرواية تطابقا مع ما كنا نعيشه، بالأخص ما تعلق بمحاولات ”أورسولا ” تخليص حياة أفراد عائلتها من القلاقل السياسية التي راحت تهز ”ماكوندو”. كنت بصدد قراءة رواية خالية من الطمأنينة. ولما غرقنا في مأساة العشرية السوداء عدت إليها بحثا عن وسيلة للبقاء في عالم لا يقل عنفا ووحشية من عالم ”ماكوندو”، كثيرا ما كنت أعود لقراءتها.
استوقفتني كثيرا شخصية العقيد أوريليانو بوينديا (كاتب الشعر، قبل أن يفقد ذاكرته ويحرق جميع قصائده، وقد توصل إلى أن عجلة الوقت تدور وليس لشخص مثله فاقد الذاكرة سوى الحاضر الذي يحياه)، حيث كنت أجد في حينا عشرات الشخصيات التي تشبهه، من المجاهدين الذين شاركوا في الثورة، لكنهم انضموا إلى زمرة معارضة، فوجدوا أنفسهم عند الهامش، يجترعون طعم الوحدة، ويعيشون على وقع العزلة واليأس والإحباط. لهذا كان عالم ماركيز، عالما روائيا فاق حدود كولومبيا، وأصبح عالما إنسانيا.
«قليلة هي الروايات التي تغيّر حياة الناس، ورواية ”مائة عام من العزلة”، تعد واحدة من تلك الروايات”. يشعر قارئها أنه يصحو من حلم، وأنه عائد للتو من عالم بعيد، أسطوري وواقعي في الوقت ذاته، وبمجرد أن يفرغ منها يكتسب نظرة مغايرة للأدب وللحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.