"هذه الحقيقة.. فادركوا، وتعلموا، واجتهدوا... من القبح لا تقربوا، وعن الحسن هيَّا نقّبوا.! " لمست طيلة الخمسة أيام التي قضيناها في ضيافة الأتراك بألمانيا، حس تلك الكلمات التي قالها الداعية التركي فتح الله كولن في إحدى قصائده، فمنذ موعد الطائرة التي كانت ستقلنا في رحلة البحث عن طموح حركة "الخدمة" التي يقودها الداعية كولن العابرة للقارات تجلت أمامي روح العمل الجماعي، ومبادئ حب العلم والأخلاق وتقديس العلاقات الاجتماعية العميقة في معناها من اسطنبول حتى مدينتي شتوتغارت ودوسلدورف وباقي المدن الألمانية التي زرناها في رحلة البحث عن عملاق يستيقظ لينفض الغبار على غفلة الغرب عن سماحة الدين الإسلامي. بينما يصر النظام التركي على وصف حركة فتح الله كولِن كمنظمة غير حكومية وأحيانًا كشبكة سياسية وكذلك كجماعة دينية أو الفرقة الإسلامية، يمضي كولن بحركته نحو فتح أفق الحوار الديني والتسامح على المستوى الدولي وتشييع المجتمع المدني على بناء المشاريع التنموية. وفي هذا الإطار كانت زيارتنا إلى ألمانيا رفقة مجموعة من رجال الأعمال الجزائريين الذين تم دعوتهم للتعرف على مشاريع المدارس التركية التي بدأت تتجه نحو العالمية. وصلنا إلى ألمانيا بينما وصل عدد المدارس التركية في العالم إلى أزيد من ألف مدرسة تغطي نطاق 170 دولة، مثلما يحدثنا مرافقنا والوفد التركي الذي يمثل الجالية التركية المقيمة في الجزائر الذين حرصوا على توفير أعلى مستوى من الراحة والتنظيم لرحلتنا التي حملت مفاجآت فنية وثقافية نسجها في الأخير أصوات 300 طفل من العالم، منهم الموهبة الغنائية الجزائرية داليا شيح التي رافقت رحلتنا في إطار أولمبياد اللغة التركية التي تنظم كل عام منذ 12 سنة. لغة عربية بنكهة تركية طوال الرحلة من الجزائر حتى ألمانيا كان مضيّفونا جد حريصين على مخاطبتنا باللغة العربية، وكم أحببت لهجتهم العربية المعجونة بنكهة تركية وهي تحاول التواصل معانا نحن فريق الصحافيين الجزائريين الذين لم يكن منا أحدا يتقن اللغة التركية. هذا المشهد زاده جمالا خط سير الرحلة التي اتجهت بنا إلى ألمانيا لاكتشاف روعة وأناقة الفكر التركي وهو يعكس فلسفلة العمل الذي يسافر بنا إلى واحدة من أعظم الدول الأوروبية لتكشف جهود المسلمين وإبداعهم وتتعرف على أخلاقهم ونظرة الغرب الجديدة غير النمطية التي رسمها الإعلام الغربي لعقود ضد المسلمين والتي كما بدأت تتكسر مع جهود الأتراك في ألمانيا الذين عرفوا الطريق الصحيح لتمثيل الإسلام بالعلم والمعرفة. التربية والإعلام والعمل الخيري.. الأذرع القوية بدأت الزيارة الأولى من مطار فرانكفورت باتجاه فرع مقر جريدة “الزمان” التركية بألمانيا، ويضم المبنى المكون من ستة طوابق مقر وكالة الأنباء “جيهان” وقناة “إيبوو” الموجهة إلى الألمان، كما يضم المبنى قناة “سامنيولو”، ويبدو إيمان الأتراك جد كبير بالإعلام في صناعة الرأي العام ليس فقط التركي وإنما أيضا الغربي، حيث يوجد في ألمانيا خمس جرائد تركية كبيرة توفّر خدمة من أعلى مستوى باللغة الألمانية على غرار جريدة الزمان التي توزع مليون نسخة يوميا، كما تحرص تركيا على توفير خدمات إعلامية متعددة اللغات وذلك باستخدام استراتجية الهجوم بدل الدفاع، كما لاحظنا اهتمام أحفاد العثمانيين في ألمانيا باتجاه الدراما الموجهة إلى الجالية التركية المقيمة في ألمانيا لتساعدهم على البقاء الشديد الاتصال بثقافتهم الأم. في مقر جريدة “الزمان” كان التنظيم والهدوء التام سيد المشهد، حيث لم نسمع طيلة فترة الثلاث ساعات التي قضيناها في الجريدة للتعرف على تفاصيل صناعة الخبر التركي، أي فوضى أو تحركات خارج النظام، كما تهتم الجريدة التي لها فروع في 10 دول أوروبية بتوفير أعلى مستوى من الراحة للعمال، من خلال المطعم المنظم الذي حظينا بفرصة للغداء فيه قبل مغادرة مقر الجريدة نحو مدينة شتوتغارت التي تبعد حوالي 200 كلم على فرانكفورت في مهمة اكتشاف المزيد من الحضارة التركية التي يبدو أن طموحها نحو العالمية يسير في الطريق الصحيح. وقد عرف الأتراك في ظرف زماني قصير كيف يطرقون أبواب واحدة من أهم الدول في العالم، حتى بات عدد الجالية التركية في ألمانيا يفوق ال10 ملايين، 4 رسميين والباقي “حراڤة”، مما جعلها الجالية رقم واحد في ألمانيا. وقد نجح هؤلاء في تبؤو مقاعد هامة في النظام الألماني، حيث يوجد 49 برلمانيا ألمانيا من أصل تركي. كما تعتبر هذه الجالية اليوم في ألمانيا من صناع القرار على المستوى السياسي والاقتصادي، حيث يتواجد بألمانيا 70 ألف رجل أعمال من أهم الفاعلين في الساحة الاقتصادية. تشرف حركة “الخدمة” على مشروع جمعية “تيم تو هالب” أي “حان وقت المساعدة” الذي يركز على تقديم المساعدة إلى الفقراء و المحتاجين في العالم، من خلال توزيع الملابس والأغذية وحتى التدخل في بناء مشاريع سكنية في الدول التي تتعرض إلى كوارث طبيعية، ويبقى المشروع الأبرز الذي حظينا بفرصة للتقرب بشكل مفصل على آليات عمله في مقر الجمعية بمدينة فرانكفورت هو مشروع كفالة اليتيم الذي يأخذ نظاما جد متطور. فمنذ تأسيس الجمعية سنة 2006 حرص أتباع فتح الله كولن على استخدام أحدث وسائل التواصل في تسيير المشروع الأضخم في العالم بالنسبة لكفالة اليتامى، حيث تم منذ ذلك اليوم مساعدة 10 آلاف يتيم على الاندماج في المجتمع وتوفير أجواء عائلية لهم واستفادتهم من تعليم عال، كما قامت الجمعية بالتدخل في بناء حي سكني ضم 300 بيت في باكستان بعد أن ضربها الزلزال .
محاورة الغرب بالعلم والمعرفة توجد في ألمانيا 32 مدرسة تركية توفر برامج تربوية بمقاس عالمي، وقد نجحت هذه المدرسة في الحصول على اعتراف السلطات الألمانية، حيث تدرس اليوم وفق المنهج التعليمي الألماني. فبعد إنشاء أول مدرسة تركية في ألمانيا سنة 2004 عرف الأتراك كيف يحول أنظار العائلات الألمانية نحو مشروعهم التعليمي ذو الخلفية الإسلامية المحافظة حتى أصبح 40 بالمئة من تلاميذ المدارس التركية في ألمانيا ينحدرون من عائلات ألمانية التي آمنت بالمشروع التعليمي التركي الذي كسر حاجز الخوف وغير نظرة الغرب تجاه الدين الإسلامي . في رحلتنا توجهنا إلى مدينة شتوتغارت، المدينة الصناعية التي تعتبر مهد صناعة السيارات في العالم، حيث بها أول مخترع للسيارات وقد بدأ تصنيع هذه السيارة لأول مرة على يد فيلهلم مايباخ وغوتليب دايملر في سنة 1887، وقد أصبحت المدينة اليوم مركزا عالميا لصناعة سيارات المرسيدس، وبورش ومايباخ وغيرها من السيارات العالمية، وقد قرر الأتراك اقتحام هذه المدينة العالمية والعلم والمعرفة من خلال فتح المدارس، حيث تعرفنا على مشروع المدرسة التركية في شتوتغارت التي تطمح لتكون قبلة مئات التلاميذ السنة القادمة وفق مقاييس عالمية، حيث تم بناء المدرسة وفق أعلى مستوى من الحماية وظروف التدريس، مثلما يوحي المبنى الضخم للمدرسة الحديثة التي وجدنا أجزاء منها لا تزال قيد الإنشاء. تصل تكلفة بناء القسم الواحد من 5 إلى 10 آلاف أورو، كما تضم ثلاثة مخابر متخصصة في الكيمياء و الفيزياء مجهزة بأحدث التقنيات العملية، ولا يتجاوز عدد التلاميذ في الفصل الواحد 20 تلميذا وذلك حرصا على توفير أعلى مستوى من استيعاب الدروس، وقد أدى نجاح المدرسة التي أنشئت سنة 2003 بالحكومة الألمانية إلى تشجيع المشروع، من خلال منحها مسيّريها مزيدا من الأراضي مجانا لبناء وتوسيع المدرسة التي تطمح لتكون قبلة 500 طالب ألماني وتركي بحلول سنة 2015.
كولن.. مدينة العطور تتنفس التجربة التركية غادرنا شتوتغارت باتجاه مدينة كولون في أقصى الشمال، والتي تبعد عنها بحوالي 400 كلم يربطها طريق مزركش بمشاهد بانورامية يزينه وادي نيكار المرتفع الظاهر على يسار المدينة، حتى نهر الراين الشهير، وقد كانت وجهتنا زيارة إحدى المدارس التركية التي ساهم في بنائها رجال أعمال أتراك يحملون عقيدة الداعية فتح الله كولن الذي عرف كيف يجمع الملايين خلف مشروع الحضارة والتعليم والتسامح. في شتوتغارت التقينا ببعض رجال الأعمال الذين قادوا مسيرة العلم في هذه المدينة العالمية، من خلال سياسة محكمة تهدف إلى ترويج العلم، حيث يقوم هؤلاء بجمع المال لبناء المدارس. وتبلغ قيمة المساهمة لكل رجل أعمال يريد بناء فصل دراسي 25 مليون أورو، يقدمها المساهم ولا ينتظر أي عائدات مالية لأن الهدف هو خيري بالدرجة الأولى. كما أوضح لنا مرافقونا في الرحلة أن نجاح التجربة الأولى في شتوتغارت شجع السلطات الألمانية لتقديم مزيد من الدعم للمدارس التركية، من خلال منح القائمين عليها مساحات أرضية لتوسيع مشاريعهم التعليمية تلك. التقينا في مقر فضائية سمانيولو ومكتب جريدة “زمان” بألمانيا، الأستاذ عبد الله إيلماز، وهو أحد تلاميذ كولن، منذ ستينيات القرن الماضي. الأستاذ عبد الله إيلماز متخرج من كلية العلوم الإسلامية بتركيا، شغل منصب مدير عام جريدة “زمان” في تركيا، وهو اليوم صاحب صفحة خاصة في ذات الجريدة تهتم بمحاربة الإسلاموفوبيا، وتدعو إلى حوار الأديان والثقافات، وهو في ذات الوقت الممثل والمشرف العام لمؤسسة “خدمة” في أوروبا. الرجل محاط بالكثير من الوقار من قبل “أبناء” المؤسسة، لكن بسيط في تعامله وملبسه وفي كلماته التي يختارها بشكل لا يشوش على متلقيها. وعندما راح الأستاذ إيلماز يجيبنا على سؤال حول أهمية التربية والتعليم في فكر الداعية فتح الله كولن، عاد بنا إلى سنوات الستينيات عندما كان المد الشيوعي يأخذ في الانتشار في المجتمع التركي، مما ولّد لهم همّا وخوفا من أن تتحول تركيا كلها إلى الفكر المادي وينقرض معه المحافظون في المجتمع، مما دفعهم للتفكير في إنشاء جبهة تصدي، ومهما كانت صفتها (حزب سياسي، جمعية، مؤسسة، منظمة) إلا أن مهمتها فهي الحفاظ على الدين الإسلامي، فكانت النواة الأولى التي تبنّت جبهة التصدي تلك وشرعت في تنظيم ندوات فكرية ينشطها هؤلاء الشباب خريجو المعاهد الإسلامية، وفي لحظة قرروا تأسيس حزب سياسي، ليضيف مضيفنا أنه بعد أن تعرّفت الجماعة على كتابات المفكر التركي سعيد النورسي، الذي كانت أفكاره تصب في الدعوة للتربية والتعليم ومحاربة الجهل والفقر، والتأسيس لمجتمع مستنير، والابتعاد كل البعد عن السياسة، التي يلخصها في مقولة “أعوذ بالله من الشيطان والسياسة”، كل ذلك دفع أفراد النواة الأولى لجبهة التصدي للمد الشيوعي لإعادة التفكير في مشروعهم السياسي، قبل أن ينتهي بهم الأمر عند التخلي عن الفكرة من أصلها. ويوصل مضيفنا ساردا البدايات الأولى للمدارس وللخدمة، يقول أنه في سنة 1966 جمعهم القدر مع الأستاذ فتح الله كولن الذي كان واعضا وداعية في مدينة أزمير، وأيضا مسيّر زاوية لتعليم القرآن، وكان كولن نهاية كل أسبوع يخصص وقته لرعاية شؤون طلاب الزاوية ويخصص دروسا في التربية والأخلاق الحميدة التي جاءت في الرسالة المحمدية النبيلة. يروي المتحدث كيف كان الأستاذ كولن يبكي لما يتحدث عن تاريخ الصحابة وكيف يتأثر لحال العالم الإسلامي والمشاكل التي يغرق فيها، يقول إيلماز أن “أفكاره جعلتنا نتأثر به واتبعنا نصيحته بالتفرغ لمهنة التدريس من أجل التحضير ل “النسل الذهبي” كما يطلق عليه المفكر كولن، ويقصد جيلا متعلما ومتفتحا، يكون قادرا على القيادة ويبلغ الريادة عبر توفير كل مستلزمات النجاح، ومعه، يضيف الأستاذ إيلماز، قررت أن أتوجه إلى مهنة التدريس ورفضت وظيفة مفتي في إحدى العمالات، من منطلق أن كولن كان يفكر في تأسيس مدارس خاصة، عبر دعم الأساتذة والتشجيع على مهنة التعليم، وكانت الانطلاقة من ولاية إزمير من خلال التوجه إلى المساجد لنشر أفكار الداعية المتفتح بضرورة توجيه المساعدات والتبرعات لبناء المدارس وليس المساجد فقط، وقد قوبلت هذه الدعوة في بداية الأمر بنوع من التحفظ لدى المتبرعين، لكن بعد توضيح الفكرة لهم وإقناعهم وإيمانهم بها شرعوا في الانخراط في المشروع، وكانت سنة 1984 بداية إرسال تلاميذ “الخدمة” المتفوقين إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية لمواصلة دراستهم وتلقي العلوم، وكانت السنة التي أنشئت فيها “مدارس خدمة” وكانت البذور الأولى “للنسل الذهبي”. أفكار كولن التي بدأت بحلقة ضيقة وكمشة مريدين في ستينيات القرن الماضي، أصبحت اليوم مؤسسة منتشرة في أكثر من 160 دولة، كان سر انتشارها إسلام معتدل وأفكار تدعو للتواصل مع الجميع وبناء الإنسان لخدمة الإنسان، وهي أفكار ستحل الكثير من مشاكل العالم الإسلامي في الوقت الراهن. يقول أحد مرافقينا في الزيارة كخلاصة للنتائج التي حققتها مؤسسة “خدمة” في ألمانيا بفضل جودة التعليم الذي تقدمه والذي ينافس المؤسسات التعليمية الألمانية “أن الأتراك قدموا في أواسط القرن الماضي كعمال بسطاء، وحتى في تركيا كان الألمان هم من يعلّمون أبناء الأتراك في مؤسساتهم الخاصة وهناك رؤساء حكومات أتراك درسوا في المدارس الألمانية، لكن اليوم تغيرت المعادلة وأصبح الأتراك يعلّمون أبناء الألمان وسيأتي يوم أين يكون هناك رئيس وزراء ألماني درس على يد الأتراك”. 2400 مسجد في ألمانيا بهندسة عثمانية يركز منهج فتح الله كولن على جمع البشر حول القيم النبيلة والمعاملة بالحسنة، من خلال تكريس الاجتهاد في العلم وفتح الباب لحوار الأديان لتجاوز “الإسلاموفوبيا”. في هذا الإطار نجحت العقلية التركية في أن تؤسس لمنهج جديد في أوروبا، من خلال عمل مركز “حوار الأديان” الذي يناقش المعرفة ولا يتوقف عند التعصب في الآراء، كما عرفت المشاريع التركية التي تركز أيضا على الجمال وتحرص على الترويج لتاريخهم المعماري، حيث يوجد في أوروبا حوالي 4 ألاف مسجد منها 2400 تم بناءها على الطريقة المعمارية العثمانية. في بيت الحاج عبد الله كان يوما متعبا من برنامج الزيارة التي قادتها إلى مدينة كولن، المدينة التي تشتهر بماء عطرها، وكان ضمن برنامج الزيارة محطة توقف في بيت عائلة تركية بعد أن دعا صاحبها الحاج عبد الله أفراد من الوفد لوجبة العشاء في بيته ومع أفراد عائلته.. وصلنا المنزل في الوقت المحدد، ما إن توقفت سياراتنا حتى خرج الحاج عبد الله مسرعا، والابتسامة لا تفارق محياه.. راح يرحب بنا أيّما ترحاب، أحيانا بلغته الأم التركية، وأحيانا باللغة الألمانية، فهو الذي قضى أكثر من 55 سنة في هذا البلد.. وعندما لاحظ مرافقنا السيد ظافر أن مشكلا في الاتصال قد وقع، راح يتطوّع ليقوم بالترجمة، وينقل الحوار مع مضيفنا. أخذنا مواقعنا في بيت الحاج عبد الله، فإذا به يسارع لإشعال جهاز التلفزيون لنتابع معه اللقاء الكروي الذي جمع منتخب فرنسا ضد سويسرا في مونديال البرازيل، وهنا قال مضيفنا “نعلم أن الجزائريين لا يحبون فرنسا التي استعمرتهم، لكننا نحن اليوم نناصرها من أجل عيون المسلم الجزائري الأصل كريم بنزيمة”. كانت هذه بداية الحكاية.. حكاية الإسلام الذي وحّد شعوبا وأمما، والرسالة المحمدية التي توجب محاربة الجهل والفقر، وتوصي بالسلم والأمن، والعلم والتربية، وفعل الخير. وهنا توقف مضيفنا للحديث عن الأعمال الخيرية التي شارك فيها تحت غطاء جمعية إغاثة ذاع صيتها وهي “تايم تو هالب” أو “حان وقت المساعدة”، الذراع القوي للجمعية الأم “هل من أحد؟”، حيث كشف لنا الحاج عبد الله عن مغامرته إلى إثيوبيا والعمل الخيري الذي شارك فيه الأتراك لفائدة إخوانهم في هذه الأراضي التي كان إمبراطورها ملك الحبشة “النجاشي” أول من اعترف دبلوماسيا بقيام الدولة الإسلامية، وذلك باستقباله وفد المسلمين الذين أوصاهم الرسول الكريم بملك الحبشة. غادرنا منزل الأتراك وقد تعلّق قلبنا بهم وبأخلاقهم وحفاوة الاستقبال الذي تم إغداقنا به، لنمضي إلى آخر محطات الزيارة التي رتبها لنا الوفد بدقة وعناية شديدة، حيث تزامنت زيارتنا إلى ألمانيا مع موعد الدورة الثانية عشر لأولمبياد اللغة التركية التي احتضنتها مدينة دوسلدورف الألمانية استثناء هذا العام بسبب الموقف السلبي الذي اتخذه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ضد حركة “الخدمة” التي دأبت على جميع الأطفال من العالم لتعليمهم اللغة التركية، وقد عرف الحفل مشاركة أكثر من 300 طفل موهوب في الغناء والرقص قدموا من 140 دولة لتقديم أغانٍ باللغة التركية. وقد أحيا 25 صوتا حفل ختام أولمبياد اللغة التركية، بعد أن مرت التصفيات التي شاركت فيها الفنانة الجزائرية الموهوبة داليا شيح بعدة مراحل، قبل أن تتوقف في النهائي الذي احتضنته مدينة بوخاريست برومانيا، ثم تنظيم حفل الختام بمدينة دوسلدورف، أين حلّت الجزائرية في المرتبة الثالثة عالميا بعد كل الموهبة أنيتا سيلا من كوسوفو التي حلت في المرتبة الأولى، والطفل الأذربيجاني الذي أبهر الجمهور بمستوى أدائه المميز لأغنية تراثية تركية.