عاشت مدينة بوسعادة في ولاية المسيلة صائفة 2007 جريمة قتل وصفت ب”أبشع الجرائم”، راح ضحيتها تاجر يبلغ من العمر 56 سنة، تعرض لحوالي 30 طعنة خنجر وتم إخفاء جثته بعد التنكيل به. تفاصيل القضية تعود إلى ماي 2007، حيث تلقت وحدات الدرك الوطني لبوسعادة معلومات مفادها وجود شخصين مشبوهين على متن سيارة في المكان المسمى “وادي صنديق” وإثرها تحركت مصالح الدرك، غير أن المشبوهين كانا قد غادرا المكان. وبعد تفتيش الوادي تم اكتشاف آثار حفر جديدة على شكل قبر، ليقوموا بعدها بنبش الحفرة حيث عثروا على جثة رجل ملفوفة في بطانية وعليها آثار طعنات خنجر في مختلف أنحاء الجسم. وعلى أساس ذلك، باشرت مصالح الأمن عمليات تمشيط للمنطقة والمناطق المحاذية أفضت إلى العثور على المركبة محل البحث وهي تحترق، فقاموا بإطفائها وفي مكان غير بعيد عنها عثروا على وثائق الضحية إلى جانب هاتف نقال ومبلغ مالي. وبعد فترة وجيزة تم التعرف على أحد المتهمين وأفضت نتائج التحقيقات والتحريات التي قامت بها الشرطة التقنية والعلمية التابعة لمجموعة الدرك الوطني في المسيلة، إلى إلقاء القبض على مرتكبيها. وكشفت التحريات أن الفاعلين 5 أشخاص، من ضمنهم امرأة من مواليد 1984 تحمل شهادة ليسانس في الحقوق، أما الباقي فكانوا شركاء. ووجهت للجناة تهم تتعلق باقتران جناية القتل العمدي بدوافع سبق الإصرار والترصد وتكوين جماعة أشرار وإخفاء جثة والتخريب العمدي، وكذا جناية الحيازة والمتاجرة غير القانونية بالأسلحة النارية من دون رخصة. وهذه الجريمة التي اهتزت لها مدينة بوسعادة، على اعتبار أن عملية القتل تبعتها قضية إخفاء جثة الضحية، توصلت إليها مصالح الدرك بعد تفتيش دقيق وتحريات باشرتها فور حصولها على المعلومات الأولية. رخصة السياقة خيط فك اللغز بعد العثور بالقرب من تلك السيارة على رخصة سياقة، اتضح فيما بعد أنها لأحد المشكوك فيهم، سقطت منه أثناء قيامه بعملية دفن الضحية ولم ينتبه لأنه كان منهمكا في إحراق السيارة.. هذا الدليل كان أيضا نقطة انطلاق قوية في يد مصالح الدرك للاستمرار في التحري والتحقيق الميداني، ما سرع في وضع يدها على الفاعلين الخمسة، كما تعرفت على هوية الضحية من خلال أهله، وهو الأمر الذي كان وراء توقيف المتهمين. وبعد فترة وجيزة تم التعرف على أحد المتهمين، ويتعلق الأمر بالمدعو (ب. ث) الذي اعترف بعد استجوابه بالوقائع وكذا بشركائه في الجريمة وهم (ع. خ) إرهابي تائب تدبر أمر إخفاء السيارة قبل إحراقها، وكذا المدعوة (م. خ) كانت تجمعها علاقة غرامية بالضحية الذي وحسب إفادتها اعتدى عليها جنسيا وأصبح يبتزها، لتقرر إخبار شقيقيها بالقصة، بعدها طلبا منها استدراجه إلى منزلها موهمة إياه بأنها ستكون وحدها وبعد دخوله المنزل انهال عليه المتهمان بالضرب وهشّموا رأسه بمهراس والطعنات حتى لفظ أنفاسه، ليتم بعدها لفه في بطانية ونقله في الصندوق الخلفي للسيارة لدفنه، وبقيت شقيقتهما في المنزل لتنظيفه من آثار الجريمة وحرق ملابس الجناة وقامت برمي أدوات الجريمة في مزبلة عمومية. ردم الجثة بثيابها تحت التراب مصالح الأمن بدأت بتفكيك لغز الجريمة خاصة بعد توصلها إلى المكان الذي ردمت فيه جثة الضحية، وكان ذلك على مقربة من الوادي في ضاحية مدينة بوسعادة، وكان الدليل عملية الحفر الجديدة، وجراء ذلك أخرجت الجثة، حيث وجدت ملفوفة في بطانية زرقاء وقد دفنت بثيابها التي كانت ملطخة بالدماء في جميع أنحاء الجسم. اكتشاف جثة الضحية كان كافيا لمحققي الدرك لتكثيف المراقبة والتحريات الميدانية، حيث تمكنت بعدها من العثور على السيارة بمنطقة وادي المقطع ببلدية الهامل في مسلك ترابي بالقرب من الطريق الوطني رقم 46 الذي يربط بوسعادة بالجلفة. السيارة، كما تمت الإشارة إليه، بدت في حالة احتراق بنسبة كبيرة. المحكمة تقضي بإعدام القتلة المتهمون وبعد عام من اقتراف الجريمة وطوال أطوار المحاكمة اعترفوا بالتهم المنسوبة إليهم، وسردوا أمام هيئة المحكمة تفاصيل سيناريو الجريمة، ليتم إصدار الحكم بالإعدام في حق المتهمين الأشقاء، أما الشريكان فصدر في حقهما حكمان بخمس سنوات وثلاث سنوات لكل منهما. الجريمة تحت المجهر ناجح مخلوف باحث في علم الاجتماع وأستاذ بجامعة المسيلة “الانتقام هو الدافع الوحيد وراء الجريمة” يجمع الباحثون في علم الاجتماع على أن ارتفاع وتيرة الجرائم في أي مجتمع يعود بالأساس إلى وجود خلل في المنظومة الثقافية، الذي هو المسؤول عن شيوع العنف بفعل عوامل اقتصادية واجتماعية تساهم في تفاقمه، إضافة لانتشار هوامش الإقصاء وتزايد الشرائح المحرومة. وحسب الأستاذ ناجح مخلوف، فإن الجريمة من المؤشرات الدالة على حيوية وحركية المجتمع، ومجتمعنا يشهد ثلاثة أنواع من الجرائم، أولا جرائم لا تصل إلى علم السلطات المختصة وهي كثيرة، منها جرائم زنا المحارم والاغتصاب والتعدي الواقع داخل البيوت وتعرف اصطلاحا ب(الجرائم السوداء). ثانيا: جرائم تصل إلى علم الأجهزة الأمنية لكنها لا تصل إلى القضاء؛ وثالثا هناك جرائم تنظر فيها العدالة وتقول فيها كلمتها. وعن الجريمة التي شغلت الرأي العام في المسيلة لفترة طويلة، فإنها تشير إلى تورط المرأة في الإجرام وهي التي توصف بالطبيعة اللطيفة والهادئة والمفعمة بالعاطفة، وهذا يباعد بينها وبين الإجرام، فهي تقوم بدور الأمومة، وهو دور يضفي عليها الحنان. وقد لوحظ أن إجرام المرأة يتضاعف عندما تنخرط في العمل والحياة المهنية لمواجهة ظروف الحياة في غياب المعيل. ويمكن حصر مجموعة دوافع ذاتية ومجتمعية تلعب دورها في استمالة المرأة نحو الانزلاق في عالم الإجرام دون رادع من ضمير أو وجدان إنساني. وفي هذه القضية، العلاقة بين الضحية والجناة تمثلت في حيازة والمتاجرة بالأسلحة النارية دون رخصة، ووجود علاقة حميمة بين المرأة الجانية والضحية، دوافعها المال وربما الزواج، وإحساسها بالغدر أيقظ فيها الجانب المظلم والشرير في أي نفس بشرية، بغض النظر عن مستواها التعليمي، كما أن استعمال السلاح الأبيض و”المهراس” والساطور وغيرها من الأسلحة البيضاء، ظاهرة يختص بها مجتمعنا عن غيره من المجتمعات. تعتبر هذه الجريمة انتقامية (30 طعنة)، علما بأن استعمال “الخنجر” ظل مرتبطا بالثقافة المحلية وبالأمن النفسي. بقع الدم تكشف آخر خيوط الجريمة كانت بقع الدم التي بقيت في سقف البيت من بين الأدلة، كما سمحت إجراءات التفتيش لمصالح الدرك بالعثور داخل قبو على ألبسة ملطخة بالدماء ووثائق الضحية، ناهيك عن إخفاء أدوات الجريمة في القمامة العمومية بمحاذاة وادي بوسعادة. وفي نفس السياق، تم التوصل إلى عدة حقائق تفيد بأن الضحية كانت له معاملات مع اثنين من الموقوفين، خاصة أنه تم حجز بندقية صيد ومسدس وخراطيش نارية عيار 12 ملم وذخيرة حربية. وبعد كل الإجراءات القانونية قدم هؤلاء أمام وكيل الجمهورية لدى محكمة بوسعادة.