بدأ مستشارو الرئيس بوتفليقة لشؤون الأمن مشاورات لإعداد مشروع لإعادة تنظيم جهاز الاستعلامات العامة التابع للأمن الوطني بعد انتفاضة الشرطة. وقال مصدر عليم إن إعادة تنظيم جهاز الاستعلامات التابع للأمن الوطني ستتم على ضوء نتائج دراسات أمنية يجري إعدادها بناء على نتائج التحقيق الأمني الجاري حول سبب الفشل في التنبؤ بما وقع منتصف شهر أكتوبر الماضي. درست لجنة خبراء أمنية تابعين لرئاسة الجمهوري عدة خيارات لإعادة تنظيم وتأهيل جهاز الاستعلامات العامة للأمن الوطني الذي يسمى أيضا “مخابرات الشرطة”، منها إبعاده عن الوصاية المباشرة لمدير عام الأمن الوطني، وتحويله إلى جهاز مباحث، على غرار أمن الدولة في مصر التي تم تغيير اسمها للأمن الوطني بعد الثورة المصرية، أو دمجه مع مصالح الشرطة القضائية في جهاز واحد تحت إشراف المدير العام للأمن الوطني. وكانت الاستعلامات العامة للأمن الوطني قد مرت بمرحلة فراغ بدأت منذ 10 سنوات تقريبا، حيث قررت المديرية العامة للأمن الوطني زيادة صلاحيات رؤساء أمن الولايات على حساب مسؤولي الاستعلامات العامة، كما قررت وزارة الداخلية، قبل سنوات، نقل صلاحية التحقيق حول ترقية الإطارات العليا للدولة من الاستعلامات العامة إلى الشرطة القضائية، لكن الأهم، حسب مصدر من الجهاز طلب عدم ذكر اسمه، هو أن تقارير الاستعلامات العامة حول تجاوزات إطارات الدولة كانت ترمى في سلة المهملات. ويقول المصدر: “تقاريرنا حول الفساد والتجاوزات كانت تؤخذ على محمل الجد في حالة واحدة، هي عندما يكون الإطار مغضوبا عليه على أعلى مستوى”. ويضيف المتحدث: “لو أن تقارير مختلف أجهزة الأمن أخذت على محمل الجد لما سمع الناس بفضائح الخليفة وسوناطراك”. وجاءت انتفاضة الشرطة لتكشف عن عجز كبير على مستوى مديرية الاستعلامات العامة التابعة للأمن الوطني، أسابيع قليلة من تحويل الإشراف الأمني على الوزارات بشكل نهائي من مديرية الاستعلامات والأمن إلى مديرية الاستعلامات العامة للأمن الوطني، بالتنسيق مع مصلحة الأمن وحماية الشخصيات. ورغم حديث عدد كبير من المشاركين في انتفاضة الشرطة في غرداية وفي الجزائر العاصمة عن عفوية الانتفاضة، إلا أنها جاءت لكي تكرس الضعف الكبير على مستوى مصالح التحري والبحث على مستوى مصلحة الاستعلامات العامة للأمن الوطني، ما سيدفع الرئيس بوتفليقة، حسب مصادرنا، لمراجعة الكثير من الخيارات الأمنية التي انتهجها في السنوات الأخيرة. وقد تقرر في عام 2008 الاعتماد أكثر على تقارير الرؤساء المباشرين من أجل اعتماد أية ترقية في المنصب في مختلف الوزارات، كما تقرر في عام 2004 عدم تحويل تقارير التحقيقات الأمنية حول سوء التسيير والفساد، وتشير مصادرنا إلى أن كل التقارير حول سوء التسيير كانت تتوقف في مستوى معين في أعلى هرم السلطة، وبات ضباط المخابرات الموجودون في الوزارات والهيئات الرسمية مجردين من التأثير في الأحداث، وبالتالي لم يكن لهم وجود فعلي في مختلف الوزارات. وجاء القرار الأخير للرئيس بوتفليقة بشأن تحويل ضباط المخابرات من الوزارات كتحصيل حاصل فقط حيث كانت تقارير الضباط بلا جدوى. انهيار منظومة البحث والتحري ونقل رئيس الجمهورية مسؤولية الإشراف الأمني على مختلف الوزارات والهيئات الرسمية، باستثناء وزارات الخارجية والدفاع، إلى مديريتين في المديرية العامة للأمن الوطني، هما مديرية الاستعلامات العامة للأمن الوطني ومصلحة الأمن والحماية المقربة التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني. وقال مصدر أمني إن قرار نقل الضباط السامين، الذين كان على عاتقهم الإشراف على تأمين الوزارات والهيئات الرسمية، تم أسابيع قليلة قبل اندلاع انتفاضة الشرطة. وأرجع مصدر أمني رفيع قرار الرئيس بوتفليقة بتحويل مهمة الإشراف الأمني على الوزارات من ناحية المراقبة وإعداد التقارير اليومية حول سير الوزارات، إلى مديريتين في مديرية العامة للأمن الوطني، على أساس عدة مبررات، أهمها أن مهمة تأمين كل الوزارات هي من صميم عمل المديرية العامة للأمن الوطني التي توفر الحراسة الأمنية للوزارات، وبالتالي قضى القرار، حسب مصدر أمني، على مشكلة ازدواجية التغطية الأمنية. كما أن مهمة الحراسة المقربة والمواكبة اليومية للوزراء ولكبار الشخصيات في الدولة، باستثناء رئيس الجمهورية، الوزير الأول ونائب وزير الدفاع، هي من صميم عمل مصلحة الأمن والحماية المقربة التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني، وتقرر أن تنسق كل من مصلحة حماية المباني العمومية في مديرية أمن الجزائر العاصمة التي تتكفل بحماية المباني الرسمية والإقامات ومديرية الاستعلامات العامة للأمن الوطني (أي أر جي) ومصلحة الأمن والحماية المقربة (أس بي أس)، في مهمة التغطية الأمنية للوزارات والمباني الرسمية من جهة، لكن الانهيار السريع لمنظومة البحث والتحري على مستوى المديرية العامة للأمن الوطني جعل الوضع الأمني في العديد من الوزارات شديد الهشاشة. وتعتمد وزارة الطاقة بشكل خاص على نظام أمني خاص لتأمين المباني والمنشآت النفطية، يعتمد على التنسيق بين 4 مصالح، هي الشرطة والدرك الوطني وقيادات القطاعات العملياتية العسكرية ومصالح مديرية الاستعلامات والأمن، حيث تشرف لجنة أمنية مشتركة على تأمين مرافق وزارة الطاقة وشركة سوناطراك، وتتواصل المصالح الأربع عبر لجنة أمنية موجودة في كل المناطق، حيث تتواجد شركة سوناطراك أو شركات النفط الأجنبية أو مصالح تابعة لوزارة الطاقة، وتتبادل المصالح الأربع المعلومات بشكل دوري، وهو ما يجعل وزارة الطاقة وشركة سوناطراك الأكثر تأمينا في الجزائر.