هناك حقيقة ينبغي عدم القفز عليها، وهي أن النظام قد تمكّن من خلق حياة جديدة قوامها الفساد، وأصبح الشعب متورطا فيها أو أقول “الشعب صار مستفيدا ومتعايشا” مع ما فيها من فساد. غالبية الشعب تكوّنت ثروته ونشأت له حقوق من السير “الشقلوبي” للبلد، ولو جاء نظام جديد لا أظنه يستطيع إعادة قطار المؤسسات وسلطات البلد للسكة الصحيحة، والشعب هو من سيثور لحماية ما حققه من ثروة وحقوق غير مشروعة. ما على الشعب سوى انتظار القيامة والتضرع إلى اللّه بالعفو والغفران.. الجزائر “شعبا ونظاما” فاتها القطاع الحضاري، سواء بقي بوتفليقة أو رحل. ^ عادل- أولاد جلال/ الجزائر كلامك يدمي القلب، ولكن فيه بعض الحقيقة. عندما نعرف أن الفساد في مصر أصبح أغلبية وأتى بالسيسي، ونعرف بأن بعض التوانسة يقولون بأن انتخاب السبسي بالصندوق تم أيضا من قِبل أزلام النظام الفاسد لبن علي، أي أن الفساد أصبح يشكّل الأغلبية في تونس بعد الثورة، لهذا فإن ما قلته يا عادل هو الحقيقة الصادمة مع الأسف. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فكيف نفهم أن الرئيس بوتفليقة يترشح على كرسي متحرك ويفوز في الدور الأول بالأغلبية الساحقة، ويسبق بكرسيه المتحرك الذي يدفعه جنرال حتى الأرانب الرئاسية المترشحة ضده.. كرسي يسبق أرانب في الجري الرئاسي، حكاية لم نعرفها إلا في قصة “سباق الأرانب والسلحفاة”. الإعلام الفاسد هو الذي نصّب السيسي، والمال الفاسد والنظام الفاسد هو الذي نصّب الباجي، وعندنا النظام الفاسد والمال الفاسد هما اللذان جعلا الكرسي المتحرك يسبق الأرانب في سباق الرئاسيات الماضية. قديما، تعلّمنا أن “العقل السليم في الجسم السليم”، لكن الآن الأنظمة الفاسدة جعلتنا نعترف بأن العقل السليم يمكن أن يكون في الجسم المعتّل، وأن نظرية أن النظام السياسي مثل الحوتة “يخمج” دائما من رأسه هي نظرية غير صحيحة، فالنظام السياسي يمكن أن يكون مثل البصلة يبقى رأسها صالحا حتى ولو فسدت رجلاها. كلامك يا عادل ذكّرني بحادثة وقعت لي مع الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل في جوان 1975، حيث كلفني الدكتور عميمور بالتجسس على هيكل (كمرافق له في زيارته للجزائر) لأعرف إن أمكن نوعية الأسئلة التي يمكن أن يطرحها هيكل على الرئيس بومدين عند لقائه.. ولكنني فوجئت بهيكل يطرح أسئلة غير مألوفة في عالم الصحافة الجزائرية، فسألني مثلا: ما هي الطرق الموصلة للسلطة في الجزائر (إزاي أبأى وزير في الجزائر؟)، وماذا أفعل في الجزائر حتى أصبح غنيا؟ وعندما عرضت هذه الأسئلة على عميمور وقلت له إنني لم أجد إجابة لها، فقال لي: “قل له: بالعمل”، وضحكت وقتها كصحفي شاب، لأن العمل لا يوصل إلى السلطة في الجزائر ولا يوصل للثروة. بعدها بأسبوع سألت هيكل، وهو يغادر مطار الجزائر، بعد مقابلة بومدين: “هل هناك فرق بين نظرة بومدين ونظرة عبد الناصر في موضوع تكوين الأحزاب السياسية؟”، فقال لي: “لا، لا يوجد أي فرق”، فقلت له “رغم الفارق الزمني بين الرجلين وإمكانية الاستفادة من التجربة المصرية من قِبل بومدين؟”، فقال لي: “رغم ذلك لا يوجد فرق”.. وعندما رأى الحيرة على وجوه مودّعيه وهم يسمعون هذه الإجابة أردف قائلا: “بومدين يريد أن يجعل من توسيع الاستفادة من الثروة على “الغلابى” بواسطة الثورة لتصبح هي الأغلبية، وبذلك يمكّن “الغلابى” من التغلب على النهاية، لكن ذلك في رأيي– يقول هيكل- لن ينجح، لأن من يوزع الثروة على الغلابى هي البيروقراطية المرتبطة عضويا بالفساد والاستبداد”. فهل فهمت الآن يا أخ عادل لماذا كلامك يدمي القلب؟ فقد مرّ على معرفتي لما قلت الآن 40 سنة كاملة، عرفته من فم عملاق الصحافة العربية، حسنين هيكل.