كان سيدات 2024 :الجزائر ضمن مجموعة صعبة برفقة تونس    الرابطة الأولى موبيليس: مولودية وهران تسقط في فخ التعادل السلبي امام اتحاد خنشلة    إجتماع أوبك/روسيا: التأكيد على أهمية استقرار أسواق النفط والطاقة    المؤسسات الناشئة: ضرورة تنويع آليات التمويل    تصفيات كأس إفريقيا-2025 لأقل من 20 سنة/تونس-الجزائر: ''الخضر'' مطالبون بالفوز لمواصلة حلم التأهل    لجنة تابعة للأمم المتحدة تعتمد 3 قرارات لصالح فلسطين    تنظيم الطبعة ال20 للصالون الدولي للأشغال العمومية من 24 إلى 27 نوفمبر    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    مولي: الاجتماع المخصص للصادرات برئاسة رئيس الجمهورية كان مهما ومثمرا    ميلة.. تصدير ثاني شحنة من أسماك المياه العذبة نحو دولة السينغال    بنك الجزائر يحدد الشروط الخاصة بتأسيس البنوك الرقمية    الرئاسة الفلسطينية تؤكد ضرورة قيام المجتمع الدولي بالعمل الفوري على وقف العدوان الصهيوني المتواصل عل الفلسطينيين    أوبرا الجزائر تحتضن العرض الشرفي الأول للعمل الفني التاريخي ملحمة الرمال " تاهقارت"    الاتحاد العام للجاليات الفلسطينية في أوروبا يثمن قرار الجنائية الدولية باعتقال مسؤولين صهيونيين    منظمة العفو الدولية: المدعو نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة الجنائية    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    دعم حقوق الأطفال لضمان مستقبل أفضل    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المثقفون يرفضون ظاهرة "التخوين" ويعتبرونها عقلية إقصائية
تصريحات سعيد سعدي بخصوص "تخوين مصالي الحاج" لا زالت تثير الجدل
نشر في الخبر يوم 02 - 02 - 2015

أوضح عدد من الكتاب والمثقفين أنه حان الوقت للتوقف عن تداول كلمة “الخيانة” عند الحديث عن الخلافات السياسية، معتبرين أن رمي المخالف بالخيانة يعبر عن عقلية إقصائية، وعن سلوك يحيل إلى “القتل الرمزي”، وكلاهما مرتبط بعهد الأحادية. ويرى الدكتور محمد أرزقي فراد أن “التخوين” يعبر عن “وجود أزمة سلوكية وفكرية سياسية عميقة لا تعاني منها الجزائر فقط، بل المجتمع العربي برمته”، ويعتقد الدكتور رابح لونيسي أن “التخوين” يختفي متى اختفت الأحادية، بينما اعتبر الدكتور إسماعيل مهنانة أن ظاهرة “التخوين” تنتشر في المجتمعات التي خرجت من حالة الحروب. وعاد الباحث محمد عباس لبدايات “تخوين“ مصالي الحاج من قبل قادة الثورة.

الدكتور محمد أرزقي فراد
آفة التخوين مرتبطة بأزمة الفكر السياسي العربي
أوضح الدكتور محمد أرزقي فراد أن “ظاهرة التخوين السياسي عادت إلى الواجهة هذه الأيام على يد سعيد سعدي الذي وجّه تهمة التخوين إلى مصالي الحاج، رمز الحركة الوطنية .
تعبر ظاهرة التخوين، حسب الناشط السياسي محمد أرزقي فراد، “عن وجود أزمة سلوكية وفكرية سياسية عميقة يعاني منها المجتمع العربي، أنجبت فقرا سياسيا تمخّضت عنه نزعة شمولية، جعلت الأنظمة السياسية العربية المستبدة تتجاوز سيادة الشعوب وتحتكر الدور التاريخي، الأمر الذي مكّن الانتهازيين المقنعين بشعارات إيديولوجية مختلفة من الاستحواذ على الممارسة السياسية”.
واستند الدكتور فراد لأطروحات عبد الإله بلقزيز الذي اعتبر في كتابه الموسوم “أزمة الفكر السياسي العربي”، أن هيمنة الإيديولوجية السياسية في التعاطي السياسي اليومي وتغييب المعرفة السياسية هو ما أدّى إلى ما أسماه “الحرب الأهلية الفكرية” المشتعلة بين الخصوم السياسيين الذين يتخندقون في خنادق إيديولوجية وحزبية، ويتراشقون بتهم التخوين والتكفير والتخطئة، في معارك دونكيشوتية حول احتكار “الحقيقة والصواب”، يعتبر فيها كل طرف نفسه هو الممثل الوحيد “للفرقة الناجية”.
وقال فراد، في تصريح ل“الخبر”، “لعل أخطر ما في الأمر هو تخلي بعض المثقفين عن العقلانية المنتجة للمعرفة السياسية، فتحوّلوا إلى ميليشيات فكرية ينتجون نصوصا إيديولوجية توظّف في مهاترات كلامية، تسوّق ألفاظ الذم والتجريح والتشنيع وما شابه ذلك من إسقاط”، وأضاف “وإذا عدنا إلى واقعنا السياسي المعيش، سنجد أن ظاهرة التخوين قد خرجت من مخبر النظام الفردي التسلطي الذي نُصّب سنة 1962، إذ عمل طيلة نصف قرن من الزمن على مخادعة الرأي العام، مستغلا كل الفضاءات التربوية والثقافية والإعلامية، من أجل تسويق الرأي الأحادي وتخوين كل من يحاول رفضه، بحجة الدفاع عن المصالح العليا للوطن، وفي هذا السياق تم تخوين شخصيات سياسية تاريخية سامقة، نذكر منها على سبيل المثال السادة: أحمد بن بلة، وحسين آيت أحمد، وعبد الحميد مهري، بسبب تجرئهم على تنظيم ملتقى سانت إيجيديو للمصالحة الوطنية، خارج إرادة السلطة سنة 1995”.
ويعتقد فراد أنه “نتيجة للقصف الدعائي الرهيب، حُرم المواطن من ثقافة المواطنة، وجُرّد من سجية الفكر النقدي وفضيلة التسامح، لذا لم يعد يرى مانعا من منح العصمة للسلطة السياسية القائمة، بل وأكثر من ذلك تمّ اختزال الدولة والشعب في إرادة السلطة فقط، وكل رأي لا يصبّ في تمجيد الحكام هو صوت نشاز يستوجب التخوين”، مضيفا “وبحكم تشبّع الشعب بالذهنية الأحادية، صار المواطن أيضا يمارس عنفا لفظيا وجسديا ضد من يخالف رأيه، فيتهمه بالخيانة والكفر والتسفيه لأتفه الأسباب. ولا شك أن تغييب ثقافة الحوار والمناقشة وقبول الرأي الآخر في المجتمع قد كان له دور سلبيّ في تفشي ظاهرة العنف والنزعة العدوانية في الأسرة والمدرسة والشوارع والملاعب، وكلّ مجالات الحياة”.
وختم فراد قائلا “صحيح أن هناك شريحة هامة من الرأي العام استنكرت ظاهرة التخوين، وهو أمر يثير الارتياح، لكن علينا أن ندرك أنها تشكل مؤشرا على وجود أزمة عميقة ذات أبعاد متعددة (سلوكية وفكرية وسياسية) في المجتمع، تستوجب البحث والدراسة وإعمال العقل للنظر في النظام السياسي القائم، وفي المنظومة التربوية، والمنظومة الثقافية والإعلامية، من أجل الوصول إلى تشخيص صحيح للداء، يساعدنا على تقديم الحلول الناجعة”.


الدكتور رابح لونيسي
“لا تمحى ظاهرة التخوين إلا بمحو الذهنية الأحادية والقبول بالآخر”
قال الدكتور رابح لونيسي، أستاذ التاريخ بجامعة وهران، إنه عادة ما ترتبط بعض الخطابات التاريخية بالصراع حول السلطة، فقد عرفت الجزائر منذ استرجاع استقلالها عمليات لمحو العديد من رموز تاريخها، وسُوق خطاب يوحي كأن ثورة نوفمبر ليس لها جذور، وطُمس التيار الوطني الاستقلالي الذي ظهر في المهجر بإنشاء نجم شمال أفريقيا، إلا لكي لا يذكر مصالي، ومحيت المنظمة الخاصة بعد 1965 كي لا يُذكر قادتها المعارضون للسلطة أمثال آيت أحمد وبن بلة، وعُوض هؤلاء بتضخيم رموز أخرى.
يعتقد الأستاذ لونيسي أن ظاهرة الإقصاء والإبعاد دفعت ببن خدة إلى القول في مقدمة كتابه “جذور أول نوفمبر 1954”، إن هذا الطمس والتزوير هو الذي دفعه إلى تأليف كتابه الذي لقي رواجا بعد 1988، وجعلت الشباب يكتشفون التيار الوطني الاستقلالي ورموزه ودوره في إشعال الثورة.
بقيت ظاهرة تخوين مصالي الحاج سائدة حسب الدكتور لونيسي لدى قطاع كبير من المجتمع، بسبب الخطاب السائد منذ الثورة حوله، متجاهلين أن خلافه مع جبهة التحرير ليس معناه رفضا للثورة ضد الاستعمار، وقال لونيسي “فمثلا عندما ألفتُ سلسلة ‘أبطال من وطني' الموجهة للشباب، وجعلت مصالي أحد هؤلاء الأبطال، تلقيت العديد من اللوم آنذاك، وتعرض المرحوم منصور بن لرنب لتهجمات بعد ما نشر مقالات حول مصالي في 1989، ولقي المرحوم رابح بلعيد نفس الأمر، لكن ذلك النقاش المتبادل ونشر أطروحة ستورا عن مصالي وكتب جاك سيمون بدد وخلخل بعض المواقف منه التي غرسها التاريخ الرسمي والكثير من المجاهدين الذين كانوا ضحايا ‘حرب أهلية بين المصاليين والجبهويين'، حسب تعبير حربي، ومنهم مثلا الرائد بورقعة الذي لقي كتابه “شاهد على اغتيال الثورة” رواجا، وخوَّن فيه مصالي، واتهم فيه المجاهد والمؤرخ حربي بالحقد على الثورة، إلا لأنه أنصف مصالي، كما لم يتمكن أرزقي باسطا من نشر مذكراته التي دافع فيها عن مصالي إلا في السنوات الأخيرة”.
ويعتقد الدكتور لونيسي أن “فكرة التخوين ضد مصالي لم تتبدد إلا بعد إطلاق اسمه على مطار تلمسان، وعقد ملتقى دولي حوله في 1999 غطته الكثير من وسائل الإعلام، في الوقت الذي يرفض فيه مجاهدون عقد ملتقى حوله في جامعة باتنة، كما اكتشف الكثير مصالي بعد ما خونه سعدي وتهجم عليه، لكن بوادر التبدد تعود إلى 1988 حين توفر جو من الحريات والمطالبة بإعادة النظر في الكتب المدرسية وتصحيحها، وبروز كتابات ونقاشات وشهادات متناقضة أثرت سلبا وإيجابا، فمن جهة دفعت البعض إلى عدم الاهتمام بالتاريخ لأنهم رأوا فيه مجموعة متناقضات بسبب عدم امتلاكهم الروح النقدية وعدم تمييزهم بين الشهادات والتاريخ، لكنها دفعت آخرين إلى إعادة النظر في الكثير من الأساطير التي غرستها الأدوات الأيديولوجية لنظام الحزب الواحد، فلا نقترب من الحقيقة إلا بالنقاش الحر البناء وخلخلة الدوغمائيات والتحرر من السياج الدوغمائي الناتج عن انعدام الروح النقدية في المجتمع، ولا تمحى ظاهرة التخوين إلا بمحو الذهنية الأحادية والقبول بالآخر”.


الدكتور إسماعيل مهنانة
“تحرير التاريخ من السياسة يقضي على التخوين”
أوضح الدكتور إسماعيل مهنانة، أستاذ الفلسفة بجامعة منتوري في قسنطينة، أن العالم في حالات ما بعد الحروب يعرف قيام أيديولوجيات مانوية تُقسّم العالم إلى نصفين، لكي تُعبّئ طرفا ضدّ طرف، عالم الخير ضد عالم الشرّ، عالم النّور والوفاء ضدّ عالم الظلام والخيانة، موضحا أن هذه الحالة تنطبق على الحالة الجزائرية ومسألة الصراع بين المصاليين والجبهويين، وقال مهنانة “لا تخلو أية ثورة أو حرب أو أيديولوجيا أو ديانة من منطق التخوين والتكفير والتفسيق والشيطنة، وهو منطق وآلية تعبوية تحكم كل الثقافات الجمعية، تشتدّ وترتخي حسب جنوح الجماعة إلى الحرب أو السّلم، لهذا يمكن القول إن التخوين سليل التكفير في الأديان، أو هو التكفير في وجهه الحديث، أي إخراج الشخص من دائرة الانتماء للجماعة المؤمنة إلى دائرة العداء والعمالة للجماعة المضادّة”.
وقال إسماعيل مهنانة “في حالات الحروب تشتدّ النزعة التخوينية إلى درجة أن أي اختلاف في الرأي يُصنّف في دائرة الخيانة، كما ترتخي في حالات السلم حتى تغدو الخيانة وجهة نظر، هذا ما يحدث في كل الثّورات، ولهذا أيضا تسقط الثورات في الكثير من الانحرافات والانزلاق نحو العنف والقتل المجاني أثناء الحرب، كما قد تتساهل مع خونتها السابقين بعد الحرب وترفعهم إلى مقام الأبطال”.
وبشأن عودة الجدل حول مصالي الحاج، قال مهنانة “لهذا أيضا أعتقد أن سبب هذه العودة المتكررة للجدل في الجزائر حول الخيانة والخائنين، يكمن في ضبابية هذه المنطقة الرمادية التي تفصل الخيانة عن وجهة النظر، وأن المؤرخّين لم يشتغلوا إلى حد الآن على توضيحها بموضوعية، وتنوير الرأي العام بالحقيقة التاريخية”، وأضاف “هناك شروط موضوعية وسياسية لا تزال تتحكم في كتابة التاريخ في الجزائر، لن نصل إلى معيار حاسم يفصل الخيانة عن وجهة النظر قبل تحرير التاريخ من السياسة. لا يزال التاريخ يشكّل السياسية لأن النظام لا يزال يستمد مشروعيته من الشرعية التاريخية، كما أن المؤرّخين أنفسهم منقسمون على تيارين سياسيين كبيرين، لكل رموزه ومرجعياته وتوجّهاته الأيديولوجية والهويّاتية، وكلاهما يقذف الآخر ورموزه بتهمة الخيانة بمناسبة أو دونها. لا يوجد لحد الآن أي أرضية مشتركة تحكم أخلاقيات المؤرّخ الجزائري، كما أن معظم المؤّرخين متورّطون في علاقات مع السلطة، وهو ينزع عنهم كل مصداقية، ولهذا سيستمرُّ منطق التخوين إلى أن تُرفع هذه الشروط أو تزول”.
ويعتقد الدكتور مهنانة أنه توجد مسألة أخرى تحكم منطق التخوين في الجزائر، وهي العلاقة الحالية من فرنسا، وقال “من الواضح أننا لا نملك مفهوما واحدا وواضحا للاستقلال، هناك من يعتقد أن كل تقارب اقتصادي وثقافي بين الضّفتين يهدد هذا الاستقلال، وأن كل الخونة هم هؤلاء الّذين يسهّلون هذا التقارب أو يدعون له، في حين يعتقد الطّرف الثاني أن فرنسا وأوروبا هي الفضاء الطبيعي جغرافيا وثقافيا الذي يجب على الجزائر أن تنفتح عليه، ولا يجد أي حرج في علاقة طبيعية ومتينة مع فرنسا.
منطق الثورة ومنطق التاريخ
حرية مقيدة.. مسؤولية محدودة
عندنا نتأمل موقف مصالي من ثورة التحرير علينا أن نضع في الاعتبار ثلاثة مستويات من المنطق: منطق الثورة ومنطق الدولة المتولدة عنها، وأخيرا منطق التاريخ الذي لا يمكن أن يتجاهل رصيد الرجل النضالي ودوره التاريخي في استعادة استقلال وسيادة الجزائر.
أولا: منطق الثورة الذي حكم عليه حكما نهائيا كما جاء في رسالة عبان إلى خيضر بتاريخ 20 سبتمبر 1955، والرجاء فيها بصريح العبارة أنه “قرر إعدام مصالي إذا ما رخّصت له فرنسا بدخول الجزائر”. وقبل عبان فكر بوضياف وديدوش في تصفية مصالي بدافع نوع من المكيافيلية الثورية؛ تصفيته وإلصاق التهمة بفرنسا، بهدف ضرب عصفورين بحجر: التخلص من المشاكل المتوقعة منه ضد الثورة، وشحن الشعب في الوقت نفسه ضد سلطات الاحتلال. ومبرر هذا الموقف هو “وحدة قوى الثورة” أمام عدو قوي وشرس كان يعدّ القوة العسكرية الرابعة في العالم.
منطق الثورة هذا سار على نهجه العديد من الكتاب والمؤرخين، نذكر منهم على سبيل المثال بن يوسف بن خدة ويحي بوعزيز وسليمان الشيخ، وعلي هارون..
ثانيا: منطق الدولة المنبثقة من رحم الثورة. وقد كان مواكبا للمنطق الأول خلال عهد الرئيس هواري بومدين (1965–1978) الذي كان يجسد– مظهرا ومخبرا– صرامة الدولة، باعتبارها ذلك “الوحش البارد” الذي لا يستجيب لنداء العاطفة في الشؤون العامة. لكن منطق الدولة فقد شيئا من صرامته الأولى في عهد الرئيس بوتفليقة، الذي رد لمصالي الاعتبار دون نص، من خلال تسميته مطار زناتة في تلمسان باسمه.
ثالثا: منطق التاريخ الذي يأخذ بعين الاعتبار دور مصالي ورصيده النضالي، فتكبر عليه كلمة الخيانة مفضلا أطروحة “الخطأ الجسيم”.. وهناك العديد من الشخصيات الوطنية والكتاب والمؤرخين الذين يميلون إلى هذه الأطروحة، نذكر منهم الدكتور محمد الأمين دباغين والرئيس أحمد بن بلة والمناضلان الكبيران أحمد مهساس وعبد الحميد مهري.
وهذه الأطروحة جديرة بالتقدير، لأنها تفتح أمام “الباحثين باب الاجتهاد على نهج الأثر: “التمس لأخيك عذرا”.
وفي هذا الصدد يمكن أن نتساءل: ترى ما مدى حرية مصالي فيما صدر عنه أو نسب إليه من مواقف مناوئة لثورة التحرير؟ هذا التساؤل يذكرنا بعلاقة المسؤولية بالحرية، وأن هناك تناسبا طرديا بين المفهومين.
والحال أن مصالي كان رهن الإقامة الجبرية جنوب غربي فرنسا، من منتصف مايو 1952 إلى منتصف يناير 1959.. هذه الإقامة الجبرية حالت بينه وبين معايشة قطيعة فاتح نوفمبر 1954 التي كانت ترسم طريقها في إطار سرية مطبقة تقريبا، ناهيك أن الأمن الفرنسي بإمكانياته الضخمة ورجال البارزين في الجزائر- من “فوجوت التي شون”– أخطأوا في قراءة الأحرف الأولى للجنة الثورية للوحدة والعمل C.R.U.A فقد فهمومها كما يلي: “لجنة المصالحة للوحدة الجزائرية”! لقد كانت مضطرا بحكم وضعيته تلك أن يتابع ما يجري في وطنه من تحولات عميقة وتسارع في الأحداث، عبر كذا من مصفاة وشبكة منها:
1- “مصفاة المتملقين”– حسب تعبير سليمان الشيخ- الذين كانوا يلوّنون عجزهم عن مجاراة تيار الثورة بشتى الأكاذيب والأباطيل.
2- شبكة أصدقائه من اليساريين، على غرار:
- نادي تسيمرفالد” بنيور.
- جماعة لامبار من الحزب الشيوعي الدولي.
- جماعة من كتاب التيار التروتسكي أمثال “جان روس” و«دانيال ڤيران”.
3- شبكة الأمن الفرنسي الذي لا يمكن أن ينزه من محاولة تضليل مصالي- الواقع تحت مراقبته صباح مساء– سواء مباشرة أو عن طريق حاشيته التي تبين لاحقا أنها كانت مخترقة.
مثل هذه الشبكات المتعددة كانت تحرمه عمليا من حرية الاطلاع، كحلقة هامة من حريته المحدودة بصفة عامة. وتكشف رسائله إلى مساعديه- وحتى إلى الأقطار والجامعة العربية- عن نقص فادح في الاطلاع، من الأمثلة على ذلك:
-أن مصالي في مطلع 1955 كان ما يزال يعتقد أن اللجنة الثورية هي التي أعلنت الثورة.
-في أواخر أوت 56.. أثناء انعقاد مؤتمر الصومام كان ما يزال يتساءل عن القيادة الحقيقية لجبهة التحرير.
-في الرسالة السابقة نفسها إلى المكتب السياسي لحركته كان يخلط بين جبهة التحرير الوطني ومشروع “جبهة تحرير الجزائر” الذي ولد ميتا بالقاهرة في منتصف فبراير 1955، فقد ذهب إلى أن بن بلة أسس جبهة التحرير الوطني (يقصد جبهة تحرير الجزائر)، وأجبر بحد السلاح مزغنة على توقيع بيان انضمام الحركة الوطنية إليهاǃ
كلمة أخيرة لأطفال الثورة وأجيال الاستقلال، أن يتعاملوا مع ذكرى هذا الزعيم الكبير بكثير من المراعاة والاحترام لسببين على الأقل:
- أنه “أبو الوطنية الثورية” بالإجماع.
- أن حزبه “حزب الشعب الجزائري” هو صانع راية الجزائر الحرة المستقلة.
محمد عباس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.