من أبرز صفات وأخلاق المجتمع الإسلامي أنّه يقوم على مبدأ التّراحم بين أبنائه، الرّحمة الّتي فيما إذا عمّت وانتشرت في مجتمع ما عاش ذلك المجتمع في هناء وسعادة وتعاون وتكافل. يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ترى المؤمنين في تراحمِهم وتوادِّهم وتعاطفِهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسّهر والحمى”. لقد أوصى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم برحمته الشّيخ الكبير فقال: ”ما أكرم شاب شيخًا لسنِّه إلّا قيّض الله تعالى مَن يكرمه عند سنّه”، وغير ذلك من الأحاديث النّبويّة الشّريفة الّتي تدعونا إلى توقير الكبير والرّفق بالصّغير وتكريم المرأة وتبجيلها، واحترام وتوقير العلماء، ونُصرة المظلوم، فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، والمسلم الحقّ مَن سَلِم المسلمين من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه...”. وفي ضوء تلك التّوجيهات النّبويّة، يقوم المجتمع الاسلامي على التّراحم الّذي يشمل غير المسلمين في المجتمع الإسلامي ويشمل الحيوان أيضًا.. وقد نعت الله تعالى الصّحابة رضي الله عنهم بهذا الخُلق فقال: ”مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ” الفتح:29. إنّ من أجلِّ نعم الله أن يجعلك من المرحومين، قال تعالى: ”لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ” آل عمران:157. وممن ينال رحمة الله الّذين امتلأت قلوبهم بالرّحمة للنّاس، فقد ثبت عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ارحموا تُرحَموا، واغفروا يُغْفَر لكم” والجزاء من جنس العمل. وفي سنن أبي داود والتّرمذي قال صلّى الله عليه وسلّم: ”الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ”. إنَّ الّذي خلا قلبه من الرّحمة والشّفقة شقيٌّ بعيد عن الله تعالى، يقول صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تنزع الرّحمة إلّا من شقيّ”. فعلينا الاقتداء بنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، فلقد كان صلّى الله عليه وسلّم رحمة يمشي في النّاس، قال تعالى: ”وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ” التّوبة:61. وإنّ أولى النّاس برحمتنا الوالدين، قال تعالى: ”وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” الإسراء:23-24. والزّوجة من أولى النّاس بالرّحمة والمعاملة الكريمة، قال صلّى الله عليه وسلّم: ”خيرُكم خيرُكم لأهله”، وقال تعالى: ”وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” الروم:21، وأيُّما علاقة زوجية لا تقوم على المودّة والرّحمة فلا خير في بقائها. ونرحم أولادنا فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قَدِمَ ناسٌ من الأعراب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ؟ فقالوا: نعم. فقالوا: لكنّا والله ما نُقَبِّلُ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”وَأَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللهُ نَزَعَ مِنْكُمْ الرّحْمَةَ”؟! ثمّ إنَّ بيوتنا لابدّ وأن تسودها الرّحمة، ويملؤها الرّفق لنهنأ بها، ونسعد فيها، والبيت الّذي يعلو فيها الصّراخ ويُسمعُ فيه السبّ والشّتم واللّعن، وتكثر فيه الخلافات بين الزّوجين، ويضرب فيه الأطفال لأتفه الأسباب، هذا بيتٌ لا يطاق فيه عيشٌ، ولا يطيب به مكث، وقد ارتحلت البركة منه، وما أجملَ حديث نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم: ”إِذَا أَرَادَ اللهُ عزّ وجلّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ الرِّفْقَ”. ولابدّ أن نرحم اليتيم والفقراء والمحتاجين والمظلومين والمضطهدين ونمدّ لهم يد العون وأيضًا البهائم، فرحمتها جالبة لرحمة الله، قال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: ”وَالشّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللهُ”.