رغم حرص الخطاب الرسمي المسوق في اتجاه رد الاعتبار للمناطق الصناعية على أمل بعث الروح في هذه المناطق من منطلق بناء قاعدة صناعية، إلا أن واقع هذه المناطق يظل بعيدا كل البعد عن الطموحات، على اعتبار أن المنطقة الصناعية للرويبة في العاصمة تحولت من منطقة إنتاج إلى فضاء لركن الحاويات على نحو شكّل عائقا كبيرا أمام أصحاب المؤسسات بفعل الوضع الجديد الذي تتسبب فيه الشاحنات، بل وتحولت المنطقة ذاتها التي تتواجد بها المؤسسة الوطنية للسيارات الصناعية التي تعوّل عليها الدولة لبعث الصناعة الميكانيكية، إلى مكان آخر لركن الحافلات والشاحنات، بعدما استولى المتعامل “طحكوت” على آلاف الهكتارات من الأراضي. كما يعدّ الوضع السائد في أغلب المناطق الصناعية بوهران امتدادا لهذا المنطق، بعد أن توسعت بعض المناطق على حساب الأراضي الفلاحية وكذا التلوث الذي تتسبب فيه بعض المصانع على نحو ولد قلقا وهاجسا لدى السكان، ناهيك عن انعدام التهيئة ومستلزمات النشاط في المناطق الصناعية ذاتها. بل ويطرح السؤال أيضا عن خلفية إنشاء هذه المناطق في قسنطينة والفائدة منها، وأغلبها يعيش درجة الصفر من التهيئة، ولايزال إلى غاية اليوم يفتقر للإنارة العمومية، الماء، الغاز وشبكات الصرف ووسائل الاتصال. المنطقة الصناعية للرويبة منطقة حرة لركن الحاويات والحافلات تقدم المنطقة الصناعية للرويبة لزوارها في شكلها الحالي صورة تثير كثيرا من الأسئلة عن الغاية والهدف الذي أنشئت من أجله، على اعتبار أن المنطقة التي من المفروض أن تكون فضاء للإنتاج تحول جزء هام منها إلى موانئ جافة لركن آلاف الحاويات على نحو تسبب في حالة ازدحام كبير. بل واستولى أشخاص آخرون على ما تبقى من مساحات هامة، ليتحول المكان أيضا من فضاء للإنتاج إلى ركن الحافلات والشاحنات، في وقت يسوق الخطاب الرسمي قناعته التي تقول بضرورة رد الاعتبار للمناطق الصناعية وتنمية الصناعة الميكانيكية. عندما وصلنا إلى المنطقة الصناعية للرويبة في حدود الساعة التاسعة والنصف صباحا، كانت عشرات الشاحنات المقطورة وغير المقطورة قد سدت كل الآفاق، في وقت كان أصحابها يجتهدون للالتحاق بنحو 10 موانئ جافة لتفريغ حمولتها من حاويات وأخرى لحمل أخرى والخروج بها صوب وجهات مختلفة. ازدحام خانق وكأنك في شارع ديدوش مراد ما كنا لنبتعد عن ذاك المحيط إلا بعد مرور نحو نصف ساعة، لأن ما لاحظناه لا يقتصر على عرقلة حركة المرور فقط، التي يتسبب فيها عدد هائل من الشاحنات، بقدر ما تعيق هذه الأخيرة نشاط المنطقة الصناعية برمته ولاسيما على مدى أيام (الأحد، الاثنين، الثلاثاء)، لأنها تعرقل دخول وخروج أصحاب المؤسسات المنتجة. يقول عمال كانوا بالقرب من محيط بعض الموانئ الجافة مثل (gcm، cma، alterco، الجزائر حاويات للخدمات، الجزائر للخدمات الشاملة..) إنه “في حال وقوع حادث صناعي بالمنطقة ويخلف ضحايا، فإنه يستحيل نقلهم لتلقي العلاج في ظل هذه الفوضى العارمة وكان يفترض تخصيص مساحات على مستوى الطريق السريع لإنجاز مثل هذه الموانئ”. بينما يرى الأمين العام للاتحاد المحلي للرويبة، مسعودي مقداد، أن “المنطقة الصناعية من المفروض أن تكون مخصصة لأصحاب المؤسسات المنتجة، لأن الشاحنات لما تدخل بحمولتها تعرقل حركة المرور وتسبب عائقا للنشاط في حد ذاته”. على بعد أمتار من تلك الموانئ الجافة، تجري أشغال تهيئة مساحات لركن الحاويات وأخرى لمحطات توقف القطار، على أمل أن يتم على المدى القريب استعمال القطار لنقل هذه الحاويات من ميناء الجزائر باتجاه الرويبة، في خطوة لتسجيل قطيعة مع الازدحام والاكتظاظ، لكن مسعودي مقداد يعترف ببقاء المشكل على حاله، من منطلق أن إعادة إخراج الحاويات من المنطقة الصناعية يتطلب وجود شاحنات أخرى وهو ما يعيد طرح مشكل الازدحام مرة أخرى. حظيرة لركن الحافلات على مساحة 60 ألف متر مربع! ونحن نسير في الاتجاه المؤدي إلى محيط المؤسسة الوطنية للسيارات الصناعية، لفت انتباهنا ضجيج بعض الجرافات، عندما سألنا السائق وهو أحد نقابيي المؤسسة، قال إن أصحاب الجرافات جاؤوا لتهيئة الأرضية التي كانت تأوي 103 عائلة في بيوت صفيحية، قبل أن يتم ترحيلها إلى بلدية مفتاح مند نحو شهر، بهدف تحويل الموقع إلى وحدة لصناعة الرخام. عندما تكون متوجها إلى محيط مجمع المؤسسة الوطنية للسيارات الصناعية تلفت انتباهك جدران تعلوها أسلاك مكهربة على اليمين واليسار على نحو تثير تساؤلات كثيرة من الزوار ممن يعتقدون أن وراء هذه الجدران والأسلاك توجد ثكنة عسكرية ولكنها في الحقيقة فضاءات واسعة خصصها المتعامل محي الدين طحكوت لركن حافلات النقل والشاحنات، لتتحول المنطقة الصناعية بذلك من منطقة إنتاج إلى حظيرة واسعة لركن الحافلات. لكن كيف حدث هذا التحول؟ يقول علي بودة، عامل بشعبة السباكة التابعة لمجمع مؤسسة السيارات الصناعية وعضو في فرع نقابة المجمع، إن “المشكل المطروح أن المؤسسة قامت بشراء هذه المساحات الخضراء سنة 1994، حيث استولى عليها طحكوت، بينها مساحة تابعة لشعبة الهياكل الصناعية تتربع على 35000 متر مربع وأخرى تابعة لشعبة مسبكة المؤسسة، تتربع على مساحة 26600 متر مربع، بغية ركن حافلاته”. ويضيف “حاليا يريد الاستحواذ على قطعة أرضية ثالثة مساحتها 8000 متر مربع، ففي البداية جاء لكراء المساحات المذكورة بموجب عقد كراء ثم توقف عن تسديد مستحقات الكراء بعد سنة 2003 لمؤسسة السيارات الصناعية، إذ لما علم أن الشركة لم تحصل بعد على عقد الملكية للمساحات المذكورة استولى عليها، إلا أن المؤسسة رفعت دعوى قضائية ضد المعني وفصلت الأخيرة في القضية قبل أيام لحساب المؤسسة بأن يدفع لها طحكوت مستحقات الكراء”. 20 دينارا للمتر المربع! يتساءل عمال آخرون من المؤسسة عن سبب اختيار طحكوت تاريخ 24 من شهر فيفري المصادف لذكرى تأميم المحروقات للاستيلاء على مساحة 8000 متر مربع تشكل بوابات لشركة “سوناكوم”، كانت مبرمجة لاحتضان مشاريع استثمارية، ما جعلهم ينظمون احتجاجا بقطع الطريق على مستوى المنطقة لإرغامه على الانسحاب. لكن كيف تجرأ طحكوت على الاستيلاء على هذه الأراضي؟ يقول علي بودة إن مؤسسة تسيير المنطقة الصناعية للرويبة (Gestimal) هي التي منحته رخصة استعمال تلك القطع الأرضية، أي هي التي أجّرت له الأراضي بالدينار الرمزي المقدر ب20 دينارا للمتر المربع، في حين أن (جاستيمال) لها حق التسيير وليس إيجار الأراضي”. نحو تسوية الخلاف.. بالنسبة لمؤسسة تسيير المنطقة الصناعية (Gestimal)، فإن المشكل هو في طريقه نحو الحل تبعا للقرارات التي توّج بها اجتماع يوم 26 فيفري الماضي، جمع الرئيس المدير العام لمجمع مؤسسة السيارات الصناعية بمؤسسة (SGP) “سوجيزيك” والإطارات السامية ل(Gestimal). يتضمن القرار الأول، حسب ما جاء في بيان الاجتماع، إخلاء طحكوت المكان الثالث الذي كان محل احتجاج العمال، مع سحب المؤسسة الوطنية للسيارات الصناعية عتادها المتواجد بالمكان، إنجاز مدخلين على مستوى الممر (E) الخاص بشعبة السباكة، على أن تتحول باقي المساحات المشتركة الخاصة بالمدخل (E) المحولة من المركز الوطني للدراسات والبحث المطبق في التهيئة الحضرية إلى (Gestimal) وتبقى تحت مسؤولية هذه الأخيرة، واتخاذ قرار بمتابعة وتصفية نهائية لهذه المناطق المتنازع عليها بين الأطراف الثلاثة المركز الوطني للدراسات والبحث في التهيئة الحضرية و(جاستيمال) ومؤسسة السيارات الصناعية بحضور محتمل لممثل وزارة الصناعة. هل تعلم الحكومة بما يجري؟ يتم الاستيلاء على هذه الأراضي في وقت راح الخطاب الرسمي يؤكد، من مناسبة لأخرى، على رد الاعتبار للمناطق الصناعية وكذا حتمية بعث الصناعة الميكانيكية، ما يطرح بالتالي تساؤلا أكبر عن مفعول هذا الخطاب في الواقع، في وقت سطرت (SNVI) برامج تنموية حكومية لتطوير الصناعة الميكانيكية ورصدت لذلك أموالا ضخمة، بينها برامج شراكة مع “مرسيديس”، لذلك يقول نقابيون “إننا نرفض الحڤرة الناجمة عن الاستيلاء على أملاك عمومية ولابد من اتخاذ قرارات عادلة وصارمة في حق هؤلاء الدخلاء”. في ظل غياب الرقابة وانعدام التهيئة وقلة المحفزات سكان بشار يسمعون عن المناطق الصناعية ولا يعرفونها يشكّل موضوع “المناطق الصناعية” ملفا هاما وكبيرا بولاية بشار، ذلك أن الملف رافقه طيلة السنوات الماضية عنوانان هما “غياب الرقابة” و«انعدام التهيئة”، وهو ما حول هذا الموضوع إلى قائمة المشاريع التي يسمع عنها المواطنون ولا يعرفونها. ما يسجل للسلطات المحلية في السنوات الأخيرة هو تداركها لهذا الوضع، وهو ما جعل هذا الموضوع يدخل “خانة أخرى” من الصعوبة في إطلاقه، رغم التصريحات التي قالت إن ولاية بشار نالت حصتها من كعكة 9500 هكتار مجموع مساحات المناطق الصناعية ال42، حيث تقرر أن تبلغ المساحة المخصصة بولاية بشار 187 هكتار، في وقت يجري التنسيق مع السلطات الولائية في دراسة إمكانية توسيعها. وقد تجد السلطات الولائية مبررا لها في تذبذب النشاط بهذه المناطق بحجة الجهل التام بالقانون الجديد الخاص بالعقار الصناعي، والعمل على تحقيق توازن بين العرض والطلب فيما يتعلق بخلق مناطق صناعية مهنية، لكنها في المقابل تقول إنها على قدم وساق مع فكرة تشجيع المستثمرين وخلق بيئة استثمارية في أحسن الظروف، إلا أن عاتق المسؤولية يقع على المستثمرين الذين هم مطالبون أكثر من أي وقت مضى بخلق ديناميكية اقتصادية تبنى على إنشاء مراكز صناعية وخلق مناصب عمل، وهذا على اعتبار أن الدولة وفرت كل هو مطلوب في سبيل خلق مناخ استثماري ناجح. إلا أنه، حسب بعض المستثمرين بولاية بشار، فإن الأمل اليوم معلق على إيجاد حل للمنطقة الصناعية القديمة التي يبدو أن المستفيدين منها قرروا التخلي عنها عبر بيعها، فضلا على أنها تعاني من بعض النقائص، فيما أن الجديدة تتطلب الإسراع في تأهيلها، خاصة أن ولاية بشار عرفت نقلة نوعية في مجال الاستثمار على مختلف الأصعدة، لاسيما فيما يتعلق بمنح العقارات بالنشاطات الاقتصادية والمنطقتين الصناعيتين للمستثمرين، والإسراع في فتح الشباك الوحيد غير المركزي على مستوى ولاية بشار. ويعتقد هؤلاء أن الإدارة مطالبة بتبسيط وتسهيل الإجراءات من جهة، وعلى مسؤولي البنوك الأخذ بعين الاعتبار كل هذه الامتيازات الممنوحة لترقية الاستثمار، وكدليل لذلك مثلا تحفيز على إعادة النظر في الرسم على القيمة المضافة، فباستثناء الإعفاءات الخاصة بها فإن نسبة هذا الرسم، حسب هؤلاء، تبقى مرتفعة بعد الدخول في استغلال الاستثمار، مشددا على ضرورة مراجعة هذا الرسم تماشيا مع مختلف التخفيضات والتحفيزات الممنوحة، كون الجنوب لايزال يفتقر إلى الإنتاج ونوعية الخدمات. ويضيف المعنيون أن عملية الاستثمار بالجنوب مرهونة بأربعة عناصر أساسية دون سواها متمثلة في السوق، العقار، التحفيزات الجبائية وشبه الجبائية والبنوك. المناطق الصناعية في قسنطينة بين سوء الاستغلال والإهمال ندرة العقار تحول دون تجسيد أزيد من 700 ملف استثمار تتوفر قسنطينة حاليا على 4 مناطق صناعية و11 منطقة للنشاطات على مساحة إجمالية ب700 هكتار، وهي نصف المساحة المقررة في إطار تنمية هذا القطاع، غير أنها ليست مستغلة بالشكل المنوط بها، فرغم أن أغلبها قد استنفدت العقارات بها، إلا أن أغلب المستثمرين لم يتمكنوا من الخوض في مشاريعهم إما لعراقيل إدارية أو لانعدام الضروريات والأمن في أغلبها. تعزز الوعاء العقاري المخصص للنشاطات الصناعية بقسنطينة خلال 2013 بمساحة تقدر ب1340 هكتار موجهة لمناطق النشاطات الجديدة ولتوسيع المناطق الصناعية، بالإضافة إلى المنطقتين الصناعيتين الجديدتين المدرجتين لفائدة ولاية قسنطينة “500 هكتار بعين عبيد و300 هكتار بديدوش مراد”، وهذا في إطار البرنامج الوطني لإنجاز 42 منطقة صناعية وتم منح مشروع جديد يتضمن تهيئة منطقة صناعية ثالثة للولاية، علما أن المنطقة الصناعية المتواجدة ببلدية ابن باديس أكبرها مساحة، فهي تقع على بعد 11 كلم عن بلدية ابن باديس، تأسست في جانفي 1976 بمرسوم وزاري رقم 05/76 يشرف على تسييرها مكتب إيرباكو”، تبعد بحوالي 6 كلم عن مدينة الخروب، مساحتها تقارب 450 هكتار وتحتوي على 303 قطعة أرضية. ولعل أهم ما يميز هذه المنطقة الصناعية كونها تمثل بوابة تجاريه لبعدها عن ميناء سكيكدة ب106 كلم شمالا، وكان يفترض أن يكون بها ميناء جاف لكن المشروع تبخر، حسب بعضهم. مناطق لتنشيط الحفلات والأكل السريع كما توجد مناطق صناعية أخرى وهي المنطقة الصناعية 24 فيفري، المنطقة الصناعية بالما والمنطقة الصناعية عيسى بن حميدة. أما مناطق النشاط فعددها 11 منطقة وهي “منطقة النشاط زيغود يوسف، ابن زياد 1 و2، مسعود بوجريو، عين عبيد، ابن باديس، الخروب، علي منجلي، عين اسمارة، بكيرة ومنطقة النشاط الرمال” مساحتها الإجمالية تفوق 260 هكتار، وتتوفر على مجموع 1058 قطعة أرضية. تشرف على تسيير هذه المناطق شركة التسيير العقاري (SGI) التي تأسست في جانفي 2004 بنسبة 85 بالمائة، بالتنسيق مع مديرية الصناعة والمناجم، غير أن أغلب هذه المناطق تحولت عن نشاطها الأولي وأنشئ بها عديد المشاريع غير المنتجة كقاعات الحفلات، فيما استغل بعضها لإنشاء محلات الحلاقة، الأكل السريع، بيع الخمور وغيرها. تفتقر للماء.. قنوات الصرف والهاتف من جهة أخرى، يشتكي العديد من المستثمرين من افتقار معظم هذه المناطق للمرافق الضرورية كالماء والغاز، الإنارة العمومية، الطرقات، شبكات الصرف، وسائل الاتصالات، والأكثر من هذا انعدام الأمن، ما حول بعضها إلى فضاء لتعاطي المخدرات وشرب الكحول. وما هو ملاحظ أن العديد من المشاريع التي يمكن تنفيذها خلال سنة واحدة مثلا تستغرق ثلاث سنوات أو أكثر، حيث يرجع البعض فشل الاستثمار في ولاية قسنطينة إلى التعقيدات الإدارية والعراقيل البنكية و”المحسوبية” في توزيع العقار الصناعي أو الفلاحي وتمويل المشروع. وقد بينت الإحصاءات المقدمة في 2010 من طرف واليها آنذاك، عبد المالك بوضياف، أن الأراضي التي استفيد منها بغرض توجيهها للاستثمار بكل من بلديتي قسنطينةوالخروب غير مستغلة بنسبة 98 بالمائة. وقد عملت لجنة التطهير العقاري مؤخرا على استرجاع العقارات التي لم يراع فيها المستفيدون منها دفتر الشروط. تعليمات الوالي.. للإشارة، فقد أعطى والي قسنطينة الحالي، حسين واضح، في جوان الماضي، تعليمات “صارمة” لاستغلال الأوعية العقارية المتاحة حاليا بقسنطينة وتخصيصها للتجهيزات العمومية، وتحويل كل ما هو استثمار عقاري نحو المدينة الجديدة علي منجلي، آمرا المسؤولين المعنيين بإعادة النظر في الأوعية العقارية التي تم إحصاؤها مؤخرا، مشددا على عدم المساس بالأراضي الفلاحية الخصبة باستثناء الأراضي البور بترخيص من المصالح الفلاحية لمباشرة إجراءات استغلالها من عدمه، وذلك بالنظر إلى ندرة العقار التي حالت دون تجسيد أزيد من 700 ملف استثمار مصادق عليه من قبل الولاية من أصل 1588 ملف مودع لدى لجنة “الكالبيراف”. مناطق النشاطات الصناعية في وهران توسع “وحشي” على حساب الأراضي الفلاحية صارت المناطق الصناعية ومناطق النشاطات في ولاية وهران عبئا على السلطات والخزينة العمومية، بدل أن تكون مصادر للثروة وأن تعود بالفائدة على التجمعات السكنية المجاورة لها، إذ تحصي منطقة أرزيو وحدها أكثر من 3500 مريض مزمن مصاب بالأمراض الصدرية، جراء انبعاث الغازات السامة من المركبات البيتروكيماوية التي تنشط في المنطقة. كما تسببت المركبات الصناعية في حالات تلوث خطيرة في مختلف المناطق التي توجد فيها مناطق النشاطات الصناعية، بسبب عدم احترام الشركات لدفاتر الشروط، أهمها إقامة محطات لمعالجة مياهها المستعملة قبل طرحها في قنوات الصرف. تلوث وتوسع على حساب أراضٍ فلاحية تسببت المصانع الواقعة في منطقة النشاطات الصناعية لواد تليلات شرق وهران، السنة الماضية، في نفوق السمك الذي يعيش في بحيرة أم القلاز المحمية في إطار اتفاقية رامسار. كما تسبب المنطقة الصناعية لحاسي عامر ببلدية حاسي بونيف متاعب كبيرة للسكان، من خلال ما تطرحه المركبات الصناعية الواقعة فيها من نفايات صلبة في الطبيعة. ومرة أخرى، لجأت الدولة، هذه السنة أيضا، إلى ضخ مبلغ مالي ضخم قدر ب57 مليار سنتيم لتهيئة سبع مناطق نشاطات في ولاية وهران، تتربع في مجموعها على مساحة تقارب 200 هكتار، وهو المبلغ الذي يضاف إلى الميزانيات السابقة التي خصصتها الدولة لتوفير شروط النشاط للمركبات الصناعية التابعة للقطاع الخاص، التي تتوزع في مناطق النشاطات التي يبلغ عددها أكثر من 20، منها ما قضى على مساحات فلاحية ذات مردود عالٍ، مثلما هو الحال في منطقة النشاطات الجديدة التي أقيمت في منطقة الحامول الفلاحية الواقعة في تراب بلدية الكرمة. هذه المنطقة الجديدة التي لا تتوقف عن التوسع على حساب الأراضي الفلاحية وينتظر أن تبرز فيها مصانع ملوثة، لم تتم تهيئتها وتوفير قنوات الصرف، حيث يقوم المستفيدون من أراضي الاستثمار بإحاطة القطع التي منحت لهم بأسوار، ومنهم من شرع في النشاط، دون أن تتوفر لهم التهيئة. غياب تام للتهيئة.. تشترك جميع المناطق الصناعية ومناطق النشاطات في ولاية وهران في الفوضى وعدم توفرها على ضروريات النشاط من تهيئة ومستلزمات النشاط مثل الهاتف وغيرها، باستثناء المنطقة البيتروكيماوية لأرزيو التي تقوم على تسييرها مؤسسة عمومية مهيكلة بطريقة عصرية، تتكفل بكل الخدمات التي تتطلبها الشركات المقيمة في المنطقة الصناعية. وعلى سبيل المثال، تأسست منطقة النشاطات الصناعية مثلا في منطقة واد تليلات “صدفة” في نهاية تسعينيات القرن الماضي، بعدما استفاد 5 مستثمرين من أراضٍ لإقامة مشاريع، أحدها في المواد الصيدلانية والآخر في مشتقات الحبوب، وبدأت تتوسع لتحتضن حاليا نشاطات مختلفة ولا يلائمها التجاور، منها ما ينتج مواد استهلاكية وأخرى متخصصة في المواد الملوثة. كما تأسست منطقة النشاطات الصناعية لبطيوة في عهد أحد الولاة السابقين لوهران بطريقة يمكن وصفها ب«الفوضوية”، حيث استلم المستفيدون قطع الأراضي، حتى قبل أن يصادق مجلس الحكومة على إنشاء منطقة النشاطات هذه، مع ما يتطلبه ذلك من تحويل طبيعة ملكية الأرضية وتهيئتها وغيرها من المسائل القانونية. وازدادت الفوضى مع تأسيس لجنة المساعدة على تحديد الموقع “كالبيراف” التي صارت توزع الأراضي دون الأخذ بعين الاعتبار طابعها الفلاحي ووجوب حمايته، كما حصل مع مصنع السيارات في واد تليلات، أو منطقة النشاطات بالبيوض في بلدية سيدي الشحمي وغيرهما. وأكثر من ذلك، أنشأت مصالح ولاية وهران، قبل خمس سنوات، منطقة صناعية في بلدية بوتليليس، لكن المستثمرين الذين استفادوا من قطع أرضية فيها، سرعان ما تخلوا عن استثماراتهم لأن المنطقة رطبة وتتعرض لفيضانات كل فصل شتاء، بحكم كونها تقع في ضفة السبخة. واضطرت مصالح الولاية إلى تغيير موقع المنطقة الصناعية، لكن هذه المرة على حساب الأراضي الفلاحية. اعتداء على البيئة المؤكد في ولاية وهران التي تتوفر على منطقتين صناعيتين في السانية وحاسي عامر وقرابة 20 منطقة نشاطات في مختلف البلديات، أنها تساهم في خلق الثروة وتوفير آلاف مناصب الشغل، إلا أنها بالمقابل تسبب متاعب للدولة والمواطنين على حد سواء، بسبب عدم احترام الأغلبية الساحقة من المستثمرين لقوانين حماية البيئة، ما يضخم سنويا عدد المصابين بالأمراض المزمنة المرتبط ظهورها بالتلوث البيئي وخاصة تلوث الهواء.