الآن أصبحت الدائرة حمراء بالفعل على كل حدود الجزائر، بعد محاولة انقلاب أخرى في دولة النيجر الأسبوع الماضي، والحمد لله أنها فشلت. كانت الجزائر تعاني من مشكلة مزمنة على الحدود مع المغرب، وكانت مشاكلها أقل درجة مع ماليوالنيجر وموريتانيا، وكانت حدود الجزائر مع ليبيا “تحت المراقبة” رغم مغامرات القذافي من حين إلى آخر، في حين ظلت الحدود مؤمنّة مع تونس. لكن في السنوات الثلاث الأخيرة (منذ 2011)، ساءت الأمور بشكل غير مسبوق، ودخلت ليبيا وتونسوماليوالنيجر دائرة “اللون الأحمر”، وأصبحت بؤر مثل جبل الشعانبي في تونس، ومنطقة الدبداب في ليبيا وكيدال في شمال مالي، مصدر إزعاج أمني وسياسي من الدرجة الأولى. ومن الناحية الاستراتيجية، فهذه الأوضاع تشكل “حرب استنزاف” لقدرات الجيش الجزائري، مهما كانت خبراته الميدانية وقدرات التسليح والتدريب التي اكتسبها منذ الاستقلال. فما هو الحل؟ طبعا هناك حلول تقليدية، وهي إنشاء قواعد عسكرية جديدة وزيادة عدد الجنود على الحدود، لكن هذه الحلول تتطلب قوة بشرية تعادل قوة جيش الصين أو الولاياتالمتحدة بالنظر إلى طول الحدود الملتهبة المقدرة بآلاف الكيلومترات. فما هو الحل الآخر؟ إنه التكنولوجيا المتطورة. لكن هناك مشكلة تتمثل في امتلاك دول بعينها لهذه التكنولوجيا، أبرزها أمريكا وفرنسا. ونحن نعلم أن بناء علاقات متميزة مع هاتين الدولتين لم يصل بعد إلى مستوى سياسي واقتصادي قويين حتى ينعكس ذلك على المستوى العسكري والأمني. ومعناه أن واشنطنوباريس لديهما في إفريقيا مصالح نفطية وطاقوية وموارد أخرى كاليورانيوم والحديد، والاتفاق مع الجزائر على ضمانها قد يكون هو الضامن مقابل منح التكنولوجيا التي تبحث عنها الجزائر. فبالنسبة لأمريكا، أوضح السفير هنري إنشر قبل أيام أن واشنطن لن تبيع طائرات بدون طيار مقاتلة، ولم يقل إنشر أن السبب هو شبهة استعمالها من قبل الجزائر في أعمال تراها واشنطن “محظورة”، بينما تقول الجزائر إن من حقها منع تكرار عملية مماثلة لعملية عين أمناس. أما بالنسبة لفرنسا، فحديث وزير الدفاع جون إيف لودريان في آخر زيارة له إلى الجزائر عن صفقات تسليح الجيش الجزائري، رافقته تسريبات تقول إن باريس تريد نشر منصات تنصت عسكرية على حدود الجزائر مع مالي. لكننا لا نعرف هل تم الاتفاق على منح الجزائر حق الاطلاع على مضمون ما يتم تسجيله من اتصالات في هذه المنطقة المشهورة بتجارة السلاح والمخدرات، وتهريب البشر. وفي اعتقادي، فإن صراع النفوذ الأمريكي الفرنسي هو ما يعطل توفير الحلول التكنولوجية التي تبحث عنها الجزائر لتأمين حدودها.